تجربة الكتابة بالقلم بالنسبة لي هذه الأيام، ليست شيئا سهلا، بل هي تجربة مرهقة مؤلمة، بعيدة كل البعد عن سهولة ومرونة الطباعة على لوحة المفاتيح، وهي التي برعت فيها كثيرا بعدما مارستها سنوات طويلة، لكنني مع ذلك لن أستسلم.

Ad

أحاول منذ أيام العودة إلى الكتابة بالقلم بشكل منتظم، وذلك بعدما اضطررت لاستخدامه في كتابة مقال منذ فترة فاكتشفت أن دفق أفكاري يسيل بشكل أسرع وأكثر انسيابية منه عندما أستخدم الكمبيوتر.

أقول هذا، وإن كنت بالطبع لاأزال مؤمنا بأن المسألة غير خاضعة لقاعدة ثابتة، فهناك من قد لا يقدح زناد أفكاره إلا بالقلم والورقة، وربما بقلم معين وورق بلون محدد في مكان بعينه، وهناك غيره من قد لا يستسيغ إلا لوحة المفاتيح ووهج شاشة الكمبيوتر أمام ناظريه، وهناك غيرهما من قد يكون الأمر عنده سيان، لأن الأصل في المسألة برمتها عنده الفكرة المشتعلة في تلافيف روحه، لا وسيلة إخراجها إلى النور، إذن فالمسألة، كما أسلفت، بلا قاعدة ثابتة ولا معيار جامدا، وأن لكل كاتب طريقته التي يكتب وفقها، لتخرج كوامن صدره إلى العلن في الحلة التي يرضاها.

أعود إلى قصتي والقلم، لأقول إنه على الرغم من استمتاعي الكبير بالعودة لاستخدامه، وإن كنت لا أجزم أيضا بأني لن أتركه في وقت من الأوقات لأعود لاحتضان لوحة المفاتيح واستقبال الشاشة المضيئة كما كنت سابقا، فإنني أواجه مشكلة معه، أو هما في الحقيقة مشكلتان.

المشكلة الأولى، هي أن خطي يبدأ مقروءا جميلا مرتبا مع السطور الأولى للكتابة ومع بدء تشكل ملامح المكتوب، ليستحيل بعد قليل إلى خربشات ونقوش أشبه ما تكون بآثار خطو دجاجات سارحات في فلاة، فيصبح المكتوب طلاسم، لا أتمكن حتى أنا من فكها لاحقا لطباعتها إلا بجهد جهيد. وأما المشكلة الثانية، فهي أن الألم يشتد بأصابعي وساعدي مع سيل الكتابة، لأن شدة قبضي على عنق القلم المسكين تزداد مع تسارع دفق الأفكار، وكأني أحاول شد وثاقها بين أصابعي كي لا تفلت مني، أو كأني أسابقها على صهوة القلم في مضمار الورقة، خوفا من أن تتيه فتضيع في زحام عشرات الأفكار المتسابقة للخروج من صدري حينها!

تجربة الكتابة بالقلم بالنسبة لي هذه الأيام، ليست شيئا سهلا، بل هي تجربة مرهقة مؤلمة، بعيدة كل البعد عن سهولة ومرونة الطباعة على لوحة المفاتيح، وهي التي برعت فيها كثيرا بعدما مارستها سنوات طويلة، لكنني مع ذلك لن أستسلم، خصوصا بعدما حظيت بهدية من صديق عزيز، هي مجموعة من الأوراق الخفيفة اللطيفة، والصالحة للكتابة والرسم والشخبطة بكل أنواعها، وربما لتغليف الهدايا الصغيرة أيضا!

ما ينقصني الآن هو أقلام من نوع جيد، أقلام خفيفة تندفع بسهولة على الأوراق، لينة لا تؤلم الأنامل، ذات سنان راسخ الخط متدفق الحبر، وفوق ذلك أن تكون رخيصة الثمن متوافرة في الأسواق، لأن الأقلام تضيع مني بوتيرة أسرع بكثير من ضياع الأفكار نفسها... فهل سأجد المطلوب يا ترى؟!

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة