ما حكاية الاستقواء بـ»الشوارب» كلما أراد أحد أن يفرد عضلاته ويستعرض طول لسانه؟ تكاد لا تمر ندوة أو مقابلة، أو حتى جلسة برلمانية أحياناً، من دون أن تسمع عبارات كـ»معصي على شواربك» و»غصبن على شواربك»، ألا يعلمون أن قيمة الشوارب لم تعد كما كانت في السابق؟ وألا يعلمون أن زمن محاولة المراهقين إثبات الرجولة بإبراز الشنب «غصب طيب» بتحديد الموس، قد ولى؟ وألا يعلمون أن الإبقاء على الشنب الكثيف عند الكبار لم يعد موضة؟ وغير هذا وذاك، ألا يعلمون أن استخدام هذه الألفاظ كرد فعل على قناة «السور» لا يقل ابتذالاً وقلة أدب عما بث عليها؟
وقبل الولوج في الموضوع أكثر، نورد الجملة التالية سداً لباب المزايدات: لا يوجد عاقل مسؤول وحريص على مصلحة الكويت ووحدتها يبرر ما بث على القناة بهذا الأسلوب، والتصدي لإساءات الجويهل كان مستحقاً منذ انتخابات 2006، لكن هل من الحكمة الدفع باتجاه مزيد من القيود على الحريات؟ وهل يعقل أن تعطي الحكومة، وهي التي- بشهادة ناقديها- رفعت سقف التعسف ضد حق التعبير عن الرأي، مزيداً من السلطة التقديرية بمراقبة وسائل التعبير؟ إن التصدي لإساءات الجويهل وغيره مكانه القضاء الذي يرد الاعتبار إلى أصحابه، أما الحشد والشحن المبالغ فيهما واللهجة المبتذلة، فإنها تصب في نفس اتجاه شق الصفوف وتأليب النفوس.وفي النهاية لا يصح إلا الصحيح، فلو كانت شعارات «معصي على شواربك تفرقنا» صحيحة وصادقة لما كانت هناك حاجة لكل هذا الشحن، إلا إذا كانت وحدتنا الوطنية هشة لهذه الدرجة التي يستطيع شخص واحد هزها.لا أبرئ الحكومة من تقاعسها في تطبيق القوانين، ولا أبرئ بعض أطراف السلطة من تعايشهم على الطرح المفرق، ولكن في المقابل لا أتحرج من تحميل قادة حملة رد الفعل جزءاً من مسؤولية هذا الطرح، ففي نظرة سريعة إلى المتحدثين في تجمع العقيلة يوم الثلاثاء الماضي أجد أربعة عشر منهم على الأقل نواب فرعيات أقيمت على أساس فئوي مفرق، فعن أي وحدة وأي وطنية يدافعون؟نحن معكم في الهدف السامي، ولكن قبل أن نسمح لأنفسنا أن تقودونا، فثمة حد أدنى من المتطلبات عليكم تحقيقه، فالدولة التي تسعون إلى حماية وحدتها تستحق منكم الاعتذار عن مشاركاتكم السابقة في الفرعيات، والقوانين التي تطالبون بتفعيلها تستحق منكم التعهد بعدم كسرها مستقبلاً بالمشاركة في الفرعيات المجرَّمة، والجموع التي تقودونها تستحق منكم عدم حرمانها من حق انتخابكم باقتصار الفرعيات على بعضها دون غيرها، الفظوا الفرعيات الفئوية المجرمة علناً وعندها سنهتف وراءكم... أما الاكتفاء بالاستقواء بالشوارب فلن يحمي الوحدة الوطنية، ولن يحقق سوى بطولات وهمية نعتذر عن المشاركة في نفخها، فكما يقال «لو كانت الرجولة بالشوارب، لكان الزهيوي أبو الرجال» و»لو كان الشعر فيه خير ...» نأسف، قانون المطبوعات واقف عند باب المطبعة.
مقالات
لو كانت الرجولة بالشوارب
24-12-2009