الأسرة الحاكمة هي لب النظام العام في الكويت، ومحور أساسي من محاور إدارة شؤون البلاد وفقاً لما رسمه الدستور لها نصاً، والموروث في وجدان الكويتيين عرفاً، هذه الأسرة الكريمة قد لا ينازعها في العالم العربي نظام من حيث شرعيتها ورصيدها الشعبي، الذي كرسته عدة تجارب جدية وتاريخية كان آخرها التمسك الشعبي بها نظاما وشرعيةً أثناء فترة الغزو الصدامي وبعده، وكذلك في عملية نقل مسند الإمارة التي تمت بطريقة مؤسساتية فريدة في المنطقة والإقليم في عام 2006 وسط مبايعة شعبية كاسحة.

Ad

ولكن ما تشهده الكويت حاليا من تذمر شعبي وجمود في التنمية والإنجاز وسط محيط تتوالى فيه الإنجازات من حولنا يجعل الأسرة الحاكمة في وضع من النقد من الشعب لم يسبق له مثيل من قبل، فعلى الرغم مما يساق من مبررات لتردي الأوضاع، فإن العامة ترى أن أبناء الأسرة هم من يتصدرون المناصب التنفيذية في الدولة (رئاسة الحكومة، وزارات السيادة، البنك المركزي... إلخ)، وهي المواقع التي تملك قرار الإنجاز التنموي والإصلاح بكل أوجهه وصنوفه، ولا يمكن أن يُعفوا من مسؤولية الإحباط والجمود الحاصل في البلد، أو تقنع الناس دائما بأن مجلس الأمة مهما علت سلطاته وصلاحياته يمكنه أن يمنع القرار عندما يتخذه من يملكه في سبيل المصلحة العامة.

ولا يمكن لأجهزة رصد وقياس الرأي العام وتوجهاته ودعم القرار في مجلس الوزراء، والأجهزة الأمنية المعنية برصد توجهات الشارع الكويتي، إن كانت تقوم بواجباتها على الوجه الأكمل، أن تُغفل ما تداوله أغلبية الكويتيين بشكل واسع من سخط ونقد شديدين للدولة وقياداتها ومؤسساتها، وهم يتابعون افتتاح مشروع مترو دبي وجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، ومناسبات أخرى عديدة قبلها في الداخل والخارج، ولا يمكن لأي محلل في تلك الأجهزة إلا أن يكون استنتاجه في تقاريره التي يرفعها إلى قياداته بأن: النظام والوطن في محنة جدية.

ولاشك أن القيادات تعلم أن هذه المحنة تتفاقم، وتدق تداعياتها في أساسات البلد، وتوشك أن تدخله إلى مرحلة التآكل التي تسرع تفاعلاتها المياه التي تغرق محطة مشرف، وظلمة المناطق التي تنقطع عنها الكهرباء في عز القيظ، وحفرة مستشفى جابر الأحمد التي تتوسع دون أن تجد من يردمها ليرفع البناء من فوقها، وجسر الصبية المعلق على حبال الأوهام، وانزلاق الجهاز الإداري للدولة إلى هاوية التسيب والفساد، وهنا يجب ألا تنخدع تلك القيادات، والبلد في عز المحنة، بتقارير دولية من هنا أو هناك، عن تنميتنا المزعومة التي تصنعها فوائض نفطية لا دخل ولا سلطان لنا عليها، أو عن تزايد حملة الشهادات العليا الذين لا يجد البلد سبيلا للاستفادة من خبراتهم بتحقيق إنجازات على أرض الواقع، وهي الجهات الدولية ذاتها التي كانت قبل أشهر قليلة تضع أيسلندا المفلسة اليوم على قمة تصنيفاتها في تقاريرها الاقتصادية، فأهل الكويت أدرى بشعابها!

ولذلك تتواتر لدى قطاعات شعبية واسعة في الآونة الأخيرة مقولة للأسرة الحاكمة الكريمة مفادها: أن الخروج من محنة النظام والوطن بأيديكم وحدكم، فأنتم لستم مدينين لأحد بشيء لا لجماعة ولا لطائفة ولا لقبيلة ولا لفئة، بل للكيان ككل، أرضا وشعبا، وهو من سيقف معكم بكل توحد وصلابة إن أردتم أن تنهوا محنته، وألا ترجو الأسرة من القائمين على أجهزة الدولة- الذين أتت أغلبيتهم نتيجة الحسابات السياسية وتوازناتها المصلحية - أي تغيير نوعي أو إنجاز، بعد أن أمنوا وركنوا إلى أن تلك المعادلات ستبقيهم في مواقعهم مهما استحكمت محنة الوطن، مادام أن النقد والسخط ينصبان على من هو على قمة هرم من يتخذ القرار، بينما هم يحصّلون المنافع دون أي مساءلة أو عقاب عن المحنة التي نعيشها.

ويتعين على الأسرة أن ترى ما حل بالكويت نتيجة تلك الحسابات والمعادلات المعقدة القائمة حاليا من تردٍّ وإحباط، وأن البلد بحاجة إلى طاقم جديد يدير أجهزة الدولة على أساس حسابات جديدة يتكون طرفاها من المسؤولية والإنجاز، لكي يتواصل عطاء الأسرة والشعب الذي امتد إلى ثلاثة قرون... فهل سيكون لهذه المقولات والمطالب الشعبية المتزايدة استجابة لدى صاحب القرار؟

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء