خريجة مخزن البطاطس
خرجت من وسط بسيط متواضع، أبوها كان سائق باص، واستطاعت بصعوبة دخول الجامعة ودراسة القانون، ولكن كعادة الفصل العنصري، الذي كان حينئذٍ بين البشر حسب ألوانهم، عزلوها هي وأقرانها الملونين، وأرغموهم على الدراسة في مخزن بطاطس، ومن هناك حصلت على شهادتها الجامعية.
عندما تخرجت بحثت عن عمل في مكاتب المحاماة إلا أن المصاعب كانت أكبر مما تتوقع، الأسئلة كانت تنهمر عليها، كيف لنا أن نعين امرأة ملونة؟ أنت امرأة، ماذا لو أصبحت حاملاً؟ السكرتيرات البيض لن يأخذن تعليمات من شخص ملون، هل هناك من عائلتك مَن يعمل في المحاماة؟كانت أول امرأة ملونة تفتح مكتباً للمحاماة في مقاطعة ناتال في جنوب إفريقيا الابارثايد، وحققت انتصارات قضائية في المحاكم العنصرية، بما في ذلك لزوجها المسجون بسبب مناهضته للعنصرية. ثم أصبحت مدافعة شرسة عن المرأة المضطهدة، وكانت مرافعاتها تعتمد على استخدام السوابق الدولية، واستمرت في دراستها حتى حصلت على الماجستير في القانون وحقوق الإنسان من جامعة هارفارد الأميركية العريقة. تقول عن تلك التجربة: «أضافت إليَّ الكثير، فلأول مرة أدرس حقوق الإنسان بعد أن كنت أركز على النضال السياسي في جنوب إفريقيا».عندما سُمِح لها أن تدخل غرفة القاضي لأول مرة، وقد كان ذلك أمراً محظوراً على الملونين، كان القاضي العنصري يضع خلفه صوراً لجنود بيض يقتلون الأفارقة الزولو وصوراً أخرى لأسرته تقتل الحيوانات وهم يحملون بنادقهم فرحين وأرجلهم على رأس الحيوان المقتول بفخر. لم تكن تتخيل أنه سيأتي اليوم الذي تُلغى فيه القوانين العنصرية، ولكنها ما إن أُلغيت حتى دخلت في مرحلة التغيير والتحول من أوسع أبوابها، فتم تعيينها كقاضية سنة 1995 في المحكمة العليا لجنوب إفريقيا، ولم يكن ذلك سهلاً عليها فقد ظلت مدة 28 عاماً تُعامَل كمحامية ملونة بكل ما يعنيه ذلك من تمييز.جاء تعيينها لاحقاً في محكمة راواندا لتتيح لها فرصة الإسهام في تطوير القانون الجنائي الدولي، فكان لها أن تضيف جريمة الاغتصاب لكي تصبح جريمة ضد الإنسانية، ومن ثم تم اعتمادها كجريمة في اتفاقية روما 1998 التي تم بموجبها إنشاء المحكمة الجنائية الدولية.واصلت مسيرتها كممثلة للضحايا والمضطهدين عندما عُيِّنت قاضية في المحكمة الجنائية الدولية في الهيغ في 2003 وأوجدت منظمة المساواة الآن.في سبتمبر 2008 تم تعيينها كمفوضة سامية لحقوق الإنسان وهي الإدارة المختصة بحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، وتسعى إلى تعزيز وتثقيف الإنسان بحقوقه أينما كان. تقول: «إذا عرفت حقوقك تصبح أقوى» وتؤكد صعوبة مهمتها فتقول: «يكفيني القول إنه لم يطلب أي من المفوضين السابقين تمديد مدته في المنصب لأكثر من أربع سنوات، ولكني سأضع لنفسي أهدافاً صغيرة نحققها» أما «مصدر قوتي فهو استقلاليتي، فإن لم أنجح في الحفاظ عليها فسأستقيل».هذه هي نافي بيلاي المفوضة السامية لحقوق الإنسان، والمناضلة ضد أعتى الأنظمة عنصرية في التاريخ الحديث، وهي الدبلوماسية المتمكنة، والقاضية المحنكة، وقبل هذا وذاك الإنسانة، وهي تقوم بأول زيارة رسمية للبلاد اليوم يقوم بها مفوض سامٍ. فعسى أن تسهم هذه الزيارة في تعزيز كرامة الإنسان واحترام آدميته من أي ملة أو دين أو عرق أو لون أو لغة أو أصل، سواء أكان هنا أو في بقاع العالم قاطبة، فلا يوجد إنسان حر طالما ظل هناك إنسان عبد واحد في هذه الدنيا.