الصورة حرة... و حلوة!

نشر في 19-04-2010
آخر تحديث 19-04-2010 | 00:00
 محمد بدر الدين لم يكتف الفنانون المصريون المشاركون بأفلامهم في مهرجان «لقاء الصورة»، بالانسحاب منه بعد تعنت «المركز الثقافي الفرنسي» الذي ينظمه وإصراره على عرض فيلم ضمن المهرجان لمخرجة إسرائيلية، بل عرضوا أفلامهم في مهرجان مواز أطلقوا عليه «الصورة الحرة» نُظم في قصر السينما التابع لـ{الهيئة العامة لقصور الثقافة»، وتنوعت بين الروائية القصيرة والتسجيلية والحركة، وظهرت مواهب مميزة وأصيلة، سواء في الإخراج أو التصوير أو التمثيل...

اتسعت سينما الشباب في المهرجان، الذي نظمه المخرج أحمد عاطف وترأس المخرج سمير عوف اللجنة التحكيمية، وشملت أفلاماً تندرج في إطار الواقعية والكوميديا والفانتازيا والتجريب ويغلب عليها الطابع السياسي والاجتماعي الإنساني والوطني.

من بين أبرز الأفلام التي اتخذت منحى سياسياً: «المايسترو» (روائي قصير) إخراج مهدي القماطي حول قضية الحرب، «ضيف الهنا» (روائي قصير) إخراج مصطفى عمر حول قضية الاحتلال، «بنينا السد» (تسجيلي) إخراج محمود العدوي عن السد العالي بعد 50 عاماً على إتمام بنائه. أما أبرز الأفلام التي اتخذت طابعاً اجتماعياً إنسانياً فهي في مجملها روائية قصيرة: «بيت من لحم» إخراج أحمد الهواري، «رهوان» إخراج عز الدين سعيد، «ربيع 89» إخراج آيتن أمين، «مين أجدع» إخراج أيمن حسين، «أنا أحب أبي» إخراج أحمد عبد الله.

ثمة أفلام أخرى تمحورت حول الصراع الطبقي مثل «أجرة» (روائي قصير) إخراج محمد حسين راشد، وآليات سوق الفيلم التسجيلي مثل «طالع ولا نازل» إخراج وليد خال، وقضية الوحدة الوطنية مثل «اسمي جورج» إخراج محسن عبد الغني (تسجيلي)، «مصر الكل واحد» إخراج نشوى نبيل (تسجيلي- خارج المسابقة)، والمشاكل النفسية مثل «النافذة» إخراج ماجد شهدي، «ميلاد فكرة» إخراج مهند مرعي، «ألبوم صور» إخراج نورهان متولي، وهي في مجملها روائية قصيرة.

برز في المهرجان الفيلم التسجيلي «الجرس ضرب» (22 دقيقة)، سيناريو صلاح الجزار وإخراجه، لأنه يعالج بتعبير قوي قضية تراجع مستوى التعليم في مصر اليوم، وتميز بإخراج بارع وتصوير لافت (أحمد يعقوب) ومونتاج مميّز (منير ميخائيل).

ترصد عين الكاميرا بدقة واقع مدرسة ابتدائية مصرية، تشرح فيها معلمة شابة أسباب تدهور التعليم وهروب التلامذة بالقفز من فوق أسوار المدرسة، رغبة منهم في عدم استكمال تعليمهم.

يمزج الفيلم بين تصوير مشاهد حقيقية ترقى إلى درجة الوثيقة، وشهادات تضع النقاط على الحروف حول جوانب من المشكلة المصيرية الكبيرة، فهل ثمة أكبر من نواقص وأمراض تصيب تعليم الأجيال الجديدة بالضمور والهزال؟ وعلى حد التعبير الأميركي الدقيق: «الأمة التي يتراجع فيها التعليم هي أمة في خطر!»

تتسع مدارك الشباب المخرجين الذين شكّلت أفلامهم مهرجان «الصورة الحرة» الأول، فتستلهم من أدب يوسف إدريس في فيلمي «بيت من لحم» و{رهوان»، وتوفيق الحكيم في فيلم «ميلاد فكرة» وغيرهما من أقطاب النص الأدبي وكلاسيكيات الأدب.

بدا أدب إدريس خصوصاً قريباً من روح المعاصرين وذائقتهم، فتفاعلت سينما هؤلاء برهافة وصدق مع تجربته الواسعة التي أغناها بثقافته وموهبته الاستثنائية واحتكاكه المبكر والقوي بالسياسة والحركة الوطنية، وتداخل العلم ودراسة الطب وممارسته مع الشغف بالفنون والآداب في حياته وسيرته.

إضافة إلى براعة سيناريو تامر أنور في «بيت من لحم» وتصوير كريم أشرف ومونتاج حسام المصري، شاهدنا دقة أداء أبطاله: الممثلة القديرة سوسن بدر في دور الأم، محمود حافظ في دور الشيخ الكفيف، ريم حجاب وزميلاتها اللواتي أدين أدوار البنات الشقيقات في جو نفسي مشحون وعاصف... إنها مقدرة قصة إدريس وبراعة المخرج أحمد الهواري في عرض مأساة إنسانية كاملة، بطريقة أخاذة فنياً ودرامياً وموجعة بقدر صراحتها وجرأتها، يقف فيها الإنسان في منازلة قاسية أمام رغبات جامحة، مستعيناً بكوابح تعجز عن أن تكون فاعلة، فيكون ضياع وفوضى وجنون.

كشفت أفلام هؤلاء الشباب مواهب واعدة وجميلة في المجالات المختلفة، على غرار محمد يونس ورشا سامي بطلي «رهوان»، الذي يقدم أنشودة في تحية الإنسان الطيب النبيل الذي يعاني إعاقة في إحدى ساقيه، لكنه لا يعجز أبداً عن محبة الناس والطير والطبيعة والحياة، وكل ما هو جدير بالحب الحقيقي في الحياة.

back to top