نظم الدستور الكويتي إجراءات وخطوات تفعيل المساءلة السياسية لرئيس مجلس الوزراء والوزراء في المواد 99، 100، 101، 102 وترك عوامل ومتطلبات نجاح الاستجوابات للظروف السياسية والمواءمة والتنسيق النيابي إضافة إلى حشد الرأي العام ومادة الاستجواب وفن المرافعة من قبل النواب المستجوبين.
ولذلك فإن ظروف الاستجوابات وتوقيتها وتكتيكاتها قد تكون في الكثير من الأحيان أهم وأوقع من موضوع المساءلة وطرفيها الوزاري والبرلماني، وعلى الرغم من أن التجريح السياسي والإحراج الشديد كان سبباً رئيساً في إخراج عدد من الوزراء المستجوبين خلال المسيرة البرلمانية، فإن هذه الهيبة قد ضعفت بل باتت نتائجها عكسية في السنوات الأخيرة، حيث يخرج الوزير المستجوب حتى مع ضعف أدائه وفشله في الدفاع عن الاتهامات الموجهة له أقوى من السابق، ووصلت الحال إلى أن هذه النوعية من الوزراء يضمنون استمرارهم ليس فقط في الحكومة القائمة إنما حتى في الحكومات المقبلة!وإذا كان هذا هو وضع الوزراء في الإطار السياسي فما بالك برئيس الوزراء الذي أصبح استهدافه سهلاً من قبل النواب، ومكرراً إلى حد بات استجوابه رصيداً سياسياً إضافياً نتيجة للأسلوب الضعيف الذي تقوم من خلاله الاستجوابات تلو الأخرى والتي من المرجح أن يصل عددها إلى نحو تسعة استجوابات مع نهاية دور الانعقاد خلال أربع سنوات فقط.وفي هذا الخصوص لست بصدد تقييم الاستجوابين الأخيرين الموجهين إلى رئيس مجلس الوزراء حول تلوث البيئة في أم الهيمان أو حول الشأن الرياضي، فهذا حق دستوري يمارسه النواب بحسب قناعاتهم وتشخيصهم لتحديد المسؤولية السياسية، ولا يمكن الحكم المسبق على مادة الاستجواب ونقاشه إلاّ في حينه.ولكن فيما يخص التوقيت والظروف السياسية وتركيبة المجلس المتهرئة في ظل التناقضات الحادة والاستقطابات العنيفة فالأرجح أن تؤول هذه الاستجوابات كسابقاتها ليس نحو الفشل في تحقيق أهدافها بل إضعاف قوة هذه الأداة الدستورية أكثر فأكثر.ومن الواضح جداً أن خلفيات الصراع البرلماني-البرلماني هي الدافع الأقوى لاستجواب رئيس الحكومة وليست الحكومة ذاتها، ووصلت الحال إلى أن مشاعر الغيرة والمنافسة بين النواب كأفراد أو كمجاميع نيابية قد غيبت فلسفة استجواب رئيس الوزراء والهدف الرئيسي من ورائه، ففي النظم البرلمانية قاطبة في العالم يكون استجواب رئيس الحكومة بمنزلة التحرك نحو إسقاط الحكومة برمتها، وهذا العرف يسري على النظام الكويتي أيضاً، بل نجحت التجربة الأولى والوحيدة في إسقاط الحكومة وعودة مجلس الأمة بأغلبية ساحقة ترجمت إدارة الشعب، وذلك في مشروع الدوائر الخمس والمطالبة بفتح باب الإصلاح السياسي.وبعد التجربة الدوائر الخمس جاءت نتائج استجوابات رئيس الوزراء المتعاقبة ومن دون استثناء عكسية على الوضع البرلماني وحتى مع استقالة الحكومة والانتخابات المبكرة فقد جاءت البرلمانات المتتالية حكومية أكثر من سابقاتها! فهل الكتل البرلمانية والنواب كأفراد مدركين هذه الحقيقة، وإذا كانوا مدركين ذلك فما الأهداف التي يتوقعونها من الاستجوابين الآخرين؟ ولماذا الإصرار على استجواب رئيس الوزراء مباشرة رغم وجود وزراء معنيين بمواد المساءلة ويتحملون المسؤولية كاملة على قضايا البيئة والرياضة؟ وسوف نحاول تسليط الضوء على ذلك في المقال القادم بإذن الله. كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة
مقالات
استجوابات إسقاط الحكومة (1)
08-06-2010