زمن عبدالله السالم بدايات متعثرة

نشر في 30-09-2009
آخر تحديث 30-09-2009 | 00:00
 أ.د. غانم النجار لماذا زمن عبدالله السالم؟ ما هي أهمية تلك الحقبة الواقعة ما بين 1950 و1965 في تطور البناء السياسي الكويتي؟ هي حقبة يحلو للبعض أن يسميها الزمن الجميل، إلا أن واقع الحال يفيد بأنها المرحلة التي جرت وتمت فيها أكبر عملية تحول اجتماعي واقتصادي وسياسي، ففي تلك الحقبة وخلالها قيل وداعاً وإلى الابد لاقتصاد ثلاثة قرون سابقة والتحول إلى مجتمع ريعي، وأصبحت الحكومة هي جهة التوظيف الأساسية.

في هـذا الزمن كانت التحولات مجتمعية شاملة، وتم خلاله تأسيس ما نراه اليوم.

هذه الحقبة شهدت منهج المحاولة والخطأ ولكن باقتدار وإصرار على إصلاح الخطأ، بعض تلك الأخطاء ظلت معنا حتى يومنا هذا ومازلنا نعانيها.

أما الحقبة التي تلت ذلك أو حقبتنا الحالية فترسخ فيها منهج الخطأ والتمادي، بل والإبداع فيه كمن يحاول أن يصلح مئة فلس معوجة بدينار.

فلنأخذ مثلاً حكاية المشاركة السياسية.

منذ أن تولى الشيخ عبدالله السالم الحكم في بداية 1950، ونظر إلى تراثه المفترض، كونه كان رئيساً للمجلس التشريعي عام 1938، وارتباطه بفئة تجارية إصلاحية، كان من المفترض أن يبدأ مباشرة تأسيسَ البنية التحتية للبرلمان أو شيئاً قريباً منه، ولكن الرياح لم تجرِ بما تشتهي سفن الإصلاح.

تمثلت الخطوة الأولى في إعلان انتخاب المجالس المتخصصة، إذ جرى انتخاب مجلس البلدية والمعارف في 25 نوفمبر، ثم مجلس الصحة والأوقاف في 1 ديسمبر 1951، إلا أن تلك الخطوة ترنحت وراوحت مكانها عندما اختلف أعضاء المجلس المنتخبون مع رؤساء المجالس وكانوا حينئذٍ من أفراد الأسرة المعينين، وبالذات كان الخلاف على أوجه في البلدية والصحة، التي كان يرأسها الشيخ فهد السالم رحمه الله. وهكذا فشلت تلك الخطوة الجزئية بسبب التباينات داخل الأسرة في موقفها من الانفتاح السياسي.

إجراءات الانتخابات حينئذٍ كانت إجراءات بدائية، إذ تم تشكيل لجنة من عشرة أشخاص يختارهم رئيس المحاكم الشيخ عبدالله الجابر رحمه الله، "يشترط فيهم السمعة والمقام الطيبين وأن يكونوا من رعايا الكويت". ثم تختار اللجنة الناخبين (ألف ناخب تقريباً) ويشترط فيهم أن يكونوا من "المطلعين على الأمور الثقافية والتطورات السياسية محلياً وعربياً وعالمياً كما يشترط فيهم أن يغلبوا المصلحة العامة على الذاتية وأن يكون ولاؤهم للوطن قبل كل شيء". لاحظوا الشروط. وتتولى اللجنة "إبلاغ هؤلاء الناخبين بأن عليهم انتخاب 12 عضواً لكل مجلس من المجالس المذكورة أعلاه، كما يتم تزويدهم باستمارات مطبوعة يوجد في كل منها 12 فراغاً يسجل فيها الـ12 اسماً الذين يراد التصويت لهم... ثم يوقع الاستمارة ويضعها في صندوق محكم الإغلاق (مختوم وعليه قفل)" حسب النص. "ويوضع الصندوق خارج مبنى رئيس المحاكم، وعندما ينتهي الوقت المحدد للاقتراع يقوم رئيس المحاكم بفتح الصندوق وتدقيق الاستمارات وعدها والتحقق منها، ويصبح الحاصل على أكثر الأصوات هو الفائز بالمقعد في المجلس المعني".

كما أنه "لا يجوز لعضو مجلس منتخب أن يجمع بين عضوية مجلسين، كما يجب أن لا يقل عمره عن 30 سنة، كما يجب أن يكون من رعايا الكويت ولم يدن بجريمة مخلة بالشرف أو الأمانة أو يودع السجن لأي فترة زمنية مهما قصرت، وحال إعلان النتائج يجتمع الأعضاء الفائزون وينتخبون من بينهم مدير الدائرة عن طريق الاقتراع السري".

كانت الدائرة هي بمنزلة الوزارة في أيامنا هذه ولكل دائرة رئيس، كان بالضرورة من أفراد الأسرة الحاكمة كما كان للدائرة مدير يشابه وضع وكيل الوزارة في الوقت الراهن. وقد اعتبرت خطوة انتخاب المجالس وبالنتيجة انتخاب مدير الدائرة خطوة إصلاحية، إلا أنها لم تصمد، واللافت في الأمر أن البلاد قد تم تقسيمها إلى خمس مناطق انتخابية.

تعثر التجربة في بداياتها أصاب عبدالله السالم بحرج ما بعده حرج، ولذا لوح بالتنازل عن منصبه، والاستقالة. كان واضحاً أن تردد عبدالله السالم يشكل تجميداً للخطى الإصلاحية. وكان الفريق الدافع للإصلاح يرى في تردد الحاكم ضعفاً غير مبرر، ورضوخاً لتوجهات بعض أفراد أسرته الرافضين للإصلاح. ومع ذلك لم تنته المسألة عند هذا الحد، بل إنهم مدعوون إلى مشهد أكثر إحباطاً سنة 1954. وكأن من لم يرض "بجِزّة" فعليه أن يرضى "بجِزّة وخروف". كما سنرى.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top