لعنة الله على إبليس!
ليس تعاطفاً مع "إبليس"، ولكن تخيلوا معي مقدار ما يعانيه هذا المخلوق البائس كل يوم من بني البشر، كم من الدعوات والشتائم التي تنزل على رأسه كل صباح ومساء بسبب ودون سبب، ففوق أنه مغضوب عليه من الله غضباً أخرجه من العفو الإلهي وجعله ملعوناً إلى يوم الدين، لا يكف بنو البشر عن الزعم بأن شرورهم وأفعالهم كلها نتيجة تحريضه ووسوسته لهم!وكلما قُبض على مجرم أو دجال أو نصاب، وسئل عن سبب انحرافه وإجرامه، قال إن: "الشيطان شاطر"... وأن الله هداه الآن وتاب عليه، رافعاً كفيه بالدعاء بأن يجازي الله الشيطان على عمايله السود بالأبرياء أمثاله! فهو السبب الرئيسي في انحرافه وإجرامه، وفي كونه أصبح لصاً وليس أستاذاً جامعياً، ومجرما لا قاضياً، ونصابا لا عالم ذرة!
والحق أن إبليس يتحمل بعض المسؤولية لما يحدث له، فهو من جلب لنفسه هذه اللعنات والدعوات حين قرر ألا يسجد لآدم حين أمر بذلك، لكنها العنصرية المقيتة قاتلها الله... "أنا من الجن وهو من الإنس"... "أنا من نار وهو من طين".. لم يبقَ إلا أن يقول "أنا من عيال بطنها... وهو بيسري طارئ"!وحكاية التفاحة المحرمة... ألم يكن بإمكانه أن يكف لقافته عن آدم وحواء ويتركهما في حال سبيلهما يتنعمان بالجنة... و"يا دار ما دخلك شر"؟! مع أن البعض يرى أنه بريء من العملية بأسرها، وأن حواء هي "اللي اتبلِّت عليه ورمتها برأسه"، والحق أن مَن يتفكر في دهاء وكيد بنات حواء هذه الأيام بالذات... لا يستبعد أن يكون إبليس بريئاً من الأمر كله! ما علينا... المهم أن إبليس رغم كل جهوده الخيِّرة والنيِّرة لكثير من بني البشر، لايزال نصيبه منهم الجحود والنكران للجميل، وقد نجد العذر لمن دخل السجن من المجرمين الصغار "الهواة" حين يشتمونه ويلعنونه، فنصائحه كانت نتائجها كارثية بالنسبة لهم، وهم تلاميذ فاشلون للمعلم الكبير "إبليس" وليس ذنبه أنهم مشوا في الطريق الذي رسمه لهم دون حنكة أو خبرة! لكن ما عذر من أمدهم الشيطان بكامل خبرته وخلاصة تجربته في الدجل والنصب والاحتيال؛ كتجار المخدرات، وسراق المال العام، والمتاجرين بالإقامات، فهم لم ولن يدخلوا السجن أبداً، ويعيشون بيننا معززين مكرمين لا نذكر أسماءهم إلا والثناء يسبقها، والدعاء لهم بطول العمر يتبعها!وكل ما وصلوا إليه كان بفضل خطط وأفكار إبليس المبدعه، وهم أبناؤه وتلاميذه المقربون المدللون! ومع هذا ينكرون فضله دائما وكلما ذكر اسمه لعنوه وشتموه ودعوا الله أن يخلص البشر من شروره، وهو الأمر الذي لطالما سبب لإبليس الحزن والاكتئاب والإحباط، فقد فاقت نذالتهم نذالته وجحودهم جحوده! لكن الأديب والمفكر توفيق الحكيم في إحدى قصصه القصيرة، يرى أن الفئة الأكثر عقوقاً لإبليس هم رجال الدين من الأديان كافة، ممن اتخذوا من الدين مهنة لهم، فلولا سيادته ما كان هناك شر ولا أشرار، ولتحول الناس كلهم إلى ملائكة، وبالتالي... لن يكون هناك ضرورة لوجود جهنم، فهو السبب في دخول الناس فيها، ولمّا كانت هناك مهنة لرجل الدين الذي يحذر الناس من فعل الشرور التي يوسوس بها إبليس، ولمّا دعا الناس لفعل الخير وعدم طاعة الشيطان الرجيم، فهذا هو عمله، وتخيلوا معي الكارثة التي ستحل بهم لو مات إبليس، كم خطيباً وواعظاً وصاحب برامج تلفزيونية سيفقد وظيفته ويقف في طابور المسرَّحين؟! أليس من العقوق أن ينكر فضله ويشتم ويلعن من قبل هؤلاء بدل أن يدعو له بالصحة والعمر المديد!وقد تخيل توفيق الحكيم في قصته أن إبليس أراد التوبة وقرر أن يعود إلى طاعة ربه، ومن أجل ذلك طلب مساندة رجال الدين، فذهب أولاً إلى حاخام اليهود ثم إلى بابا المسيحيين وأخيرا إلى شيخ الأزهر، وطلب وساطتهم وشفاعتهم عند الله، لكنهم جميعاً أصيبوا بالذعر ورجوه جميعاً ألا يتوب، وأن يستمر في ما يقوم به من عمل ممتاز، وشرحوا لهم الآثار المدمرة لتوبته، فهو سيقطع أرزاقهم ويتسبب في بطالتهم وعدم حاجة الناس إليهم، فقرر العدول عن فكرة التوبة والعودة لأعماله الشريرة... نزولاً على رغبة الناس الصالحين!أما الكاتب أنيس منصور فقد كان له تساؤل هو: لماذا يضحك إبليس دائما فى كل الرسوم التي يرسمها الفنانون، مع أنه من المفروض أن يكون أتعس المخلوقات وأكثرها حزناً واكتئاباً، لأنه الوحيد الذي يعرف أنه داخل جهنم لا محالة، ولا أمل له في الخروج منها... فلماذا يبتسم دائماً؟! صحيح... لماذا يبتسم إبليس دائماً؟! كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء