يقف الكثير من نشطاء حقوق الإنسان المشاركين في أسطول الحرية من مختلف الجنسيات والأديان والأعراق، موقفاً إنسانيا بحتاً لرفع الحصار اللاإنساني المخالف للقانون الدولي، ونقف نحن معهم من منطلق إنساني لا سياسي... نتجرَّد من حساباتنا السياسية... ونتعالى على جراحنا حين خذلتنا السلطة الفلسطينية في وقوفها مع الغازي الظالم ضد الكويت... ونترفَّع عن إساءات معظم الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها "حماس" التي أقامت سرادق العزاء لصدام حسين وأعلنت الحداد الشعبي على إعدامه (غير آبهة بمشاعر الكويتيين والعراقيين الذين دفن أهلهم في مقابره الجماعية)، مع ذلك لا نعمِّم ولا نأخذ الجميع بجريرة البعض، حتى وإن كثُر عددهم... ولن نحسبها سياسياً لأن في الحسبة السياسية يتجرَّد المرء من إنسانيته وآدميته.

Ad

فلنقف وقفة هؤلاء الليبراليين اليساريين الإنسانيين الذين لم تحركهم سوى ضمائرهم الحية التي لبّت نداء الإنسانية، مجرَّدين من العصبيات والأيديولوجيات الدينية والسياسية... فحملوا الدواء والغذاء ومعدات البناء وتحركوا بسفنهم قاصدين شواطئ غزة المنكوبة، لإيصال رسالة سلمية برفضهم العقوبة الجماعية للحصار الخانق الذي لا يختلف عن المحرقة الجماعية التي قام بها النازيون ضد اليهود... وهو حصار سببه اليمين المتطرف الإسرائيلي كما اليمين المتطرف "الحمساوي"، إذ تغذّى كلاهما ونما بتطرف الآخر... والضحية أكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني يعيشون تحت خط الفقر، ويعانون شحَّ المواد الغذائية ونسبة البطالة العالية وانقطاع الكهرباء ساعات عديدة وأوضاعاً صحية متردِّية بسبب نقص المعدات الطبية والأدوية.

هكذا يفعل إقحام الدين في السياسة، وهكذا هي الأصولية الدينية تتشابه في كل زمان ومكان في عنفها وعنصريتها واستعلائها... فأحزاب "الليكود" و"إسرائيل بيتُنا" و"شاس" لا تختلف عن "حماس" و"الجهاد" و"التحرير" في فاشيّتها وعنفها... والشواهد على دموية الأصولية الإسرائيلية كثيرة، كمجزرة المسجد الأقصى ومجازر قانا وصبرا وشاتيلا ودير ياسين ومحرقة الرصاص المسكوب والاعتداء العسكري الأخير على أسطول الحرية، أما "حماس" التي خاضت حرباً إيرانية سورية بالوكالة على حساب شعبها المغلوب على أمره، فقد وصلت طالبانيّتها إلى حدِّ القتل والإعدام والتنكيل بكل من يختلف معها، وإلى هدم بيوت المواطنين بالجرّافات وقطع أيدي الجوعى والإغلاق القهري للمجتمع، فبطشت وأجرمت بحق شعبها لدرجة أن الكثير منهم لجأ إلى الإسرائيليين طلباً للحماية!

لذا، لن تأتي مقاطعة العرب لمبادرة السلام العربية إلا لمصلحة الأنظمة العنصرية الصهيونية والحمساوية... فـ"حماس" تسعى إلى تعطيل المفاوضات وإسرائيل تحاول جاهدةً التهرب من تلك المبادرة التي ستفرض تنازلات كثيرة على الجانبين، كالتخلي عن تفرّد "حماس" بالسلطة وتجميد إسرائيل المستوطنات... لذلك فإن مقاطعة المبادرة نصر مبين لهما، أما الشعب الفلسطيني فهو خارج حسبتهما تماماً... فليكُن موقفنا هو الإصرار على شروط المبادرة العربية للسلام في سعينا إلى حقن الدماء... كسعي دعاة السلام والمنظمات الإنسانية التي تسلك طريق اللاعنف الذي من شأنه إحراج إسرائيل والتأثير في الرأي العالمي كما فعلت قافلة الحرية... التي كان من ضمنها د. وليد الطبطبائي ورفاقه الذين نوجه إليهم التحية على جرأتهم ومبادرتهم السلمية، ونتمنى على النائب الطبطبائي، رئيس لجنة حقوق الإنسان في مجلس الأمة، في هذه المناسبة، أن يلتفت أيضا إلى إخوان يعيشون بين ظهرانينا في حصار المعاناة الإنسانية، ونذكّره بتضحيات الكثير من البدون الذين شاركوا في حربَي 67 و73، والذين جُنِّس الشهداء منهم، بينما لم يُنصَف الأحياء (الأموات) المجرَّدون والمحرومون من أبسط الحقوق الإنسانية، رغم تضحياتهم.

***

نحمد الله على عودة د. أحمد البغدادي سالماً معافى... ونتمنى للزميل عادل القصار الشفاء العاجل.