مازال موضوع الخصخصة خاضعا لاختبارات قاسية عبر التداول الإعلامي من خلال البرامج الحوارية والمقالات المكتوبة والتداول البرلماني، فالجولة انتهت بتصميم قوانين «أشباه الخصخصة» أو الخصخصة الجزئية، ونجاح مؤيديه بالحصول على 33 صوتا مقابل معارضيه العشرة، في ظل ظروف غياب غرفة التجارة التي تعتبر عنصرا مهما في عملية تجديد وتطبيق الإصلاح الاقتصادي. 

Ad

ونتساءل إلى يومنا هذا عن سر تعثر وصولنا إلى المرحلة التنفيذية السليمة التي تقتضي بتحويل المسار من تحمل القطاع العام أعباء إنفاق المبالغ الذي أشارت إليه تقارير البنك الدولي، إلى جانب التكدس الوظيفي في الدوائر الحكومية، الذي تسبب في تفشي أسلوب «العمل بلا إنتاجية»، والذي ننظر إليه كالمرض المعدي الذي ما يلبث إلا أن ينتقل إلى الداخلين الجدد إلى سوق العمل. 

واليوم لم يبق أمامنا إلا البحث عن برامج «إغراء» وظيفي لجذب الفائض من العمالة الحكومية وتوجيهها إلى القطاع الخاص الذي فقد جاذبيته بعد الأزمة المالية العالمية، والذي نأمل أن يستعيد بريقه من خلال المرحلة التنفيذية للخطط التنموية التي حتما سيلازمها النمو الاقتصادي المنتظر. 

لن يختلف اثنان على أهمية التخطيط الاقتصادي لرسم الطريق الأمثل لإحداث النقلة المناسبة من الملكية الحكومية إلى القطاع الخاص، وبالتالي إسناد الخدمات إلى القطاع الخاص، ولكن بضمان ارتفاع مستوى قطاع الخدمات دون أن يتحمل المواطن أعباء التكاليف، وتطبيق «العدالة» والشفافية في إسناد المشاريع إلى الشركات المختلفة دون محاباة أو محسوبية، ولا أجد مانعا من فرض رسوم رمزية تجعل المواطن شريكا أساسيا في العملية التنموية، بالإضافة إلى استحداث جهاز يساهم المواطن من خلاله في تقييم الخدمات المطروحة. 

أما فيما يخص المحور البشري الذي يقع في صلب العملية التنموية، فهناك أفكار عديدة تثير اهتمامنا كباحثين ومهتمين في شأن الخصخصة والإصلاح الإداري، وأبرزها قياس المورد البشري intellectual capital، فهل لدينا آلية لقياس القدرات البشرية ومعايير لتمييز الموظف حسب قدراته؟ فالتفوق الإلكتروني والصفات القيادية والقدرة على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب بالإضافة إلى معرفة وإتقان اللغات ومهارات التعامل مع الإعلام، تعتبر من المواصفات المهمة التي تزيد من قيمة المورد البشري، وبالتالي تحقيق أركان الإدارة الصالحة. 

وعودة إلى الانتقال إلى القطاع الخاص... فعلى الرغم من وجود الشوائب والمعوقات كغياب التشريعات والقوانين الداعمة وغياب قوانين لحماية المستهلك ومنع الاحتكار فإن الوقت مناسب للاعتراف بحاجة الجهاز الحكومي لإصلاحات إدارية ومالية، وإعادة النظر في أساليب الإنفاق، وخفض النفقات غير المنتجة من الميزانية، وتطبيق نموذج الخصخصة عبر التخطيط الاقتصادي السليم والإصلاح الإداري الشامل. 

*** 

كلمة أخيرة: لم أكن يوما مؤيدة لأغلب مقالات محمد عبدالقادر الجاسم، ولا أمتلك خلفية قانونية تذكر لأتحدث عن تداعيات حبسه واحتجازه، إنما أتمنى أن تراعى حالة بوعمر الصحية ويعود إلى أسرته سالما، وأن يبقى سجل حرية الكلمة ناصعا. 

وكلمة أخرى: مازال البعض يقع عرضة لمحاولات مستمرة لشق النسيج الاجتماعي، ويجب أن يعرف هؤلاء أن المواطنة متعززة في الأنفس... وحفظ الله الكويت من كل مكروه.