الإدارة العامة للجمارك من أهم مؤسسات الدولة وأخطرها على الإطلاق، وهي واجهة البلد وغلافها الجوي الواقي من الأجسام الغربية والسامة، وهي المصدر الثاني للدخل الوطني بعد مبيعات النفط.

Ad

وكلمة جمارك بحد ذاتها تعني الأصالة والعمق التاريخي والأهمية الجغرافية للدولة، ولهذا كانت الجمارك من أقدم الهيئات الرسمية التي وجدت مع البدايات الأولى لولادة ونشأة الكويت في القرن الثامن عشر.

ولأن الجمارك تعتبر من المنافذ المهمة للتجارة، خصوصاً الاستيراد والتصدير، وفرض الرسوم والضرائب، الأمر الذي يعني المراوغة والتحايل من قبل التجار والموردين للهروب من دفع الضرائب الجمركية، وبالتالي تفشي الرشاوى والتسهيلات المشبوهة من قبل العاملين في هذا المرفق، فقد كثرت الفتاوى الشرعية منذ القدم حول حرمة العمل في الجمارك لكثرة الشبهات حولها!

وإذا أخذنا في الاعتبار كل ما سبق بعناية واهتمام، فإن الوضع الطبيعي يتطلب أن تكون هذه الإدارة من أكثر إدارات الدولة تطوراً وذات شفافية عالمية ومتمتعة بقمة التكنولوجيا الحديثة، ولكن ماذا لو كان الوضع استثنائياً وكانت الجمارك هي مفتاح باب التنمية وخطتها الجديدة وميزانيتها التي تجاوزت الثلاثين مليار دينار للسنوات الأربع القادمة فقط؟!

وماذا لو كانت المنافذ الجمركية يفترض فيها الجهوزية بالطاقة القصوى لاستقبال المارد الجمركي القادم لتدشين العشرات من المشاريع الكبرى ومئات الملايين من أطنان البضائع المتوقعة لتنفيذ برامج التنمية المرتقبة؟!

وماذا لو كانت الجمارك هي الجهة التي ستناط بها مسؤولية إدارة وتشغيل أكبر ميناء جديد في تاريخ الكويت، بل منطقة الخليج في جزيرة بوبيان ناهيك عن توسيع الموانئ القائمة؟!

ولا نعرف حقيقة كيف سيتعامل الأخ الفاضل وزير المالية مع هذه المعطيات في ظل مؤسسة الجمارك بوضعها الحالي المتهرئ والمشلول والبالي، والتي تعيش قمة التخلف الإداري والفني لدرجة أن الكثير من مهامها وصلاحياتها ذات الطابع السيادي للدولة قد ورثت لشركات تجارية تقوم في ظلها العمالة الهامشية المستوردة من أكثر دول العالم تخلفاً فنياً وإدارياً، بإدارة حركة دخول وخروج البضائع التجارية والتفتيش عليها وضبط جودتها وآلية الإفراج عنها.

ولا نعرف بالضبط كيف سيواجه الوزير "أبو مشعل" هذا الوضع المزري في الجمارك، وهو الرجل الأول المسؤول عن ميزانية الدولة وصرف أموالها وجبايتها؟ فهذه الإدارة الحيوية التابعة لإشرافه المباشر لا رأس قيادياً لها منذ عامين، ولا مبنى له منذ أكثر من عشرين سنة، ولا هيكل وظيفياً أو إدارياً لموظفيه الذين دخلوا إلى الخدمة وعملوا حتى سن التقاعد دون مسميات وظيفية تناسب مؤهلاتهم العلمية أو مزايا مالية ومعنوية تحصنهم من مغريات التجار والشركات إلا ذمتهم المالية وحب الكويت!

الوزير الشمالي قاتل حتى الرمق الأخير في معركة القروض، واستبسل تحت شعار المحافظة على الأموال العامة وحقوق الأجيال القادمة، واعتبر شراء مديونيات المواطنين وإلغاء فوائدها الجائرة جريمة بحق الوطن، ولكن يا معالي الوزير هل تعرف مدى هشاشة الوضع في الجمارك، وبسبب ذلك حجم الخسائر التي تتكبدها الدولة سنوياً من الإهمال والتأخير في إجراءات حركة التجارة؟ وهل تعلم كم تكلفة بقاء طائرات الشحن الجمركي لأكثر من شهرين على أرض المطار؟

وهل تعلم يا معالي الوزير، في ظل الإمكانات الحالية للجمارك، الفترة الزمنية التي تستغرقها إدارتك في إدخال بضائع خطة التنمية المطلوبة للسنوات الأربع القادمة؟ "ترى" الجواب 40 سنة بالتمام والكمال!