نجم عن استعراض الموت على طريق وصلة الدوحة فاجعة وطنية أخرى أغرقت البلد في حزن عميق، إذ زهقت أرواح خمسة من الشباب في عمر الزهور بلا ذنب أو جريرة اللهم الفضول وحب الاستطلاع والشغف في متابعة الإثارة عبر سباق للسيارات في طريق عام وفي منتصف الليل!

Ad

وكالعادة في بلد يفتقر، وإلى حد التخلف، إلى تحديد مواقع المسؤولية وسهولة إلقاء التهم في التقصير يميناً وشمالاً، ستطوى هذه الصفحة في ذاكرة الإهمال وأرشيف النسيان تاركة اللوعة والأسى في نفوس آباء وأمهات وذوي أولئك الضحايا إلى الأبد.

ولعل من قبيل المصادفة، عندما حذرنا قبل أيام قليلة من مشكلة أزلية يعانيها الشباب في ممارسة هوايتهم في مسابقات السيارات والدراجات النارية والاستعراض بها، واقترحنا قيام الدولة بإنشاء مضمار خاص ومجهز لإقامة مثل هذه المسابقات ضمن ضوابط السلامة، وتحديد أماكن لجمهور المتابعين بعيداً عن الطرقات العامة، كما تقدم القطاع الخاص قبل أكثر من عشر سنوات بتبني هذه الفكرة وتحمل مسؤولية الكلفة المالية لإقامة مثل هذا المشروع الذي قبر في دهاليز البيروقراطية الحكومية وعقلية التخلف الإداري.

فلماذا يختار الشباب التستر تحت جُنح الليل المظلم والمجازفة بحياتهم وتعريض حياة الآخرين للموت، الذي تحقق بالفعل على طريق الدوحة، لتأخذهم حماسة المراهقة والفراغ ونقص الخدمات لممارسة اللهو القاتل بعشوائية وجهالة؟!

الجواب عن هذا السؤال يكمن بالفعل في عقلية الكثير من المسؤولين التي تنقصها الحصافة وبعد الأفق واستصغار قيمة البشر ومراعاة هموم وطموحات وهوايات الشباب، واعتبار مثل هذه الهوايات نوعاً من الطيش والمراهقة السلبية، كما أن الحسد والابتزاز والغيرة تأتي كعوامل إضافية لتعطيل مثل هذه المشاريع، خصوصاً إن لم تكن مبادراتها من أهل النفوذ لعل وعسى اليأس والإحباط يؤديان إلى الاستحواذ و"التكوش" على مشاريعهم لسرقتها والاستفادة منها لاحقاً!

وأنا شخصياً غير مهتم على الإطلاق بفكرة المسابقات الخطيرة التي تحمل الإثارة وتعريض النفس للأذى وتهديد سلامة الآخرين، ولكن يتبقى أن سباق السيارات من الرياضات العالمية والمدرجة في الألعاب الأولمبية، وقد تعني الكثير من الشباب الشغف في المغامرة والتحدي وتفجير طاقتهم، فلا بأس من احترام هذه الرغبة واحتوائها في إطار تنظيمي ووضع الضوابط اللازمة لها، وتخصيص أماكن مناسبة لها مع توفير إجراءات ومتطلبات لها بدلاً من ترك هؤلاء الشباب في ساحات الموت، ومن ثم إلقاء تبعات تلك المخاطر على أهاليهم.

ومع الأسف الشديد، فإن أجهزة الدولة لا تتفاعل مع الكثير من المطالب وتوجيه الطاقات الشبابية إلا بعد وقوع الكوارث والمصائب، ومع ذلك نأمل في أن تكون دماء الفتية الخمسة البريئة هي الأخيرة، ونتمنى عدم تكرارها مستقبلاً من خلال إنشاء مضمار مناسب وحضاري لهذه الهواية.

ونسأل الله الرحمة والمغفرة لضحايا حادث الدوحة، ولأهاليهم الصبر والسلوان، وللمصابين بالشفاء والعافية.