ممّا لا شكَّ فيه أن إقرار مجلس الأمة الإطار العام للخطة التنموية الشاملة الطويلة الأمد، المُستمَد من الاستراتيجية العامة للدولة، يعتبر خطوة إلى الأمام بعد أن أصبحنا نسير على غير هدى ونتراجع باستمرار، لكن مع ذلك، فإنه من المهم ألَّا يتم الخلط، كما هو جارٍ الآن، بين هذا الإطار العام لخطة التنمية والخطة التنموية الخمسية التي لم تقدمها الحكومة بعد.

Ad

بمعنى آخر، إن ما تقدمت به الحكومة وأقره المجلس في مداولته الأولى ليس خطة متوسطة المدى (خمسية) للدولة كما ينص القانون رقم 60 لسنة 1986 "تتفرع منها خطط سنوية تفصيلية، لكل منها أهدافها المرحلية وسياسات تحقيقها وتُعبَّأ لها الموارد المالية والبشرية"، بل إن ما قُدِّم هو مجرد إطار عام للخطة القومية الشاملة توضع بناءً عليه الخطة الخمسية، كما نصت المادة الأولى من قانون 1986 "وضع خطة قومية شاملة طويلة الأجل للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ترتكز على الاستراتيجية العامة للدولة، وتتضمن أهدافاً رئيسية محددة، يمتد بُعدُها الزمني إلى المدى الطويل".

إذن، كما هو واضح، فإنه ليس هنالك حتى الآن خطة تنموية خمسية للدولة تتفرع منها خطط سنوية تفصيلية ذات أهداف مرحلية وسياسات محددة وواقعية وقابلة للقياس، حتى يمكن الحكم على كفاءة أداء الأجهزة الحكومية في عملية التنفيذ، ومحاسبتها على التقصير، وتبرير عمليات الصرف من المال العام.

ومن الغريب حقا ألَّا تقدم الحكومة الخطة الخمسية للدولة التي تتطلبها المشاريع التنموية الضخمة، وأن يتم الترويج الإعلامي للإطار العام للخطة القومية الطويلة المدى، الذي تقدمت به الحكومة على أنه بديل عنها، مع ما في ذلك من تضليل وعدم واقعية.

والأغرب من ذلك ألَّا يبدي أغلبية أعضاء مجلس الأمة، بمن فيهم أعضاء اللجنة المالية والاقتصادية، اعتراضهم أو على الأقل تحفظهم على عدم تقديم الحكومة خطة تنموية خمسية واكتفائها، عوضا عن ذلك، بالإطار العام للخطة القومية، وهو ما يعتبر عدم التزام بالقانون رقم 60 لسنة 1986، بل اكتفى بعض الأعضاء بمطالبة الحكومة، خلال المُداولة الأولى لمشروع القانون، بتقديم خطط سنوية تفصيلية، مع أن ذلك يعتبر تجاوزاً لقانون 1986 أيضاً، و"حرقاً" للمراحل العلمية التي يمر بها التخطيط على مستوى الدولة، ممّا يؤدي إلى عدم فعاليته، والدليل على ذلك أن المشاريع الكبرى التي تعد الحكومة بتنفيذها خلال السنوات الأربع القادمة لن تُنفَّذ خلال عام واحد، ممّا يتطلب وجود خطط تنموية متوسطة المدى تنبثق عنها خطط سنوية تفصيلية، وهو ما يسهِّل عمليات القياس والمتابعة وتقييم الأداء والحكم على النتائج.

أما الأمر الأشد غرابة، فهو موافقة أعضاء مجلس الأمة على إعطاء الحكومة الضوء الأخضر في صرف مبلغ 37 مليار دينار خلال السنوات الأربع المقبلة على أساس أنها، أي الحكومة، ملتزمة بتنفيذ خطة تنموية واقعية ذات أهداف واقعية وسياسات محددة قابلة للقياس، وهو افتراض خيالي ووهمي يتنافى تنافياً تاماً مع ما تقدمت به الحكومة وتم إقراره من قبل مجلس الأمة في المُداولة الأولى، لذلك فإن المؤمل أن يتدارك أعضاء مجلس الأمة هذه القضايا في المُداولة الثانية لمشروع القانون... فهل يتم ذلك؟!