طغت أنباء «موقعة أم درمان» على اهتمام الشارع العربي من مشرقه إلى مغربه، ولكن اللافت أن تُجرى هذه المباراة في وقت تُعقد فيه قمة الغذاء العالمي في روما (عقدت قبل المباراة الفاصلة بيومين) من دون أن تنال هذه القمة أي اهتمام يذكر، بينما كُرّست وسائل الإعلام جميعها للحديث عن المباراة، وتهييج الجماهير، بهدف اصطفافها خلف أحد الفريقين المتنافسين، مصر والجزائر. من أطرف ما قرأت في ذلك تذمر أحد المتابعين الجزائريين من الوضع في بلده حين قال: تُرسل الحكومة الجزائرية أسطولاً من الطائرات، وتنفق الأموال من أجل التشجيع في مباراة كرة قدم... أليس فقراء الجزائر أولى بهذه الأموال؟

Ad

ليس بعيداً عن ذلك الموقف في مصر، حيث تشير الإحصاءات الصادرة عن منظمة الغذاء العالمي (الفاو) إلى أن 48 في المئة من سكان مصر يعيشون تحت خط الفقر، أي أن نصف السكان يعانون مشاكل حقيقية من حيث الحصول على الغذاء وضروريات يومهم، وإذا أردنا التوسع قليلاً، وبحسب الإحصاءات ذاتها، فإننا نجد أن مئة مليون عربي يعيشون تحت خط الفقر، من أصل 300 مليون، أي ما يعادل ثلث السكان. يدخل في ذلك دول مثل الصومال، السودان، اليمن، قطاع غزة، بفعل الحصار الإسرائيلي، العراق، الذي يعاني مشاكل حقيقية في الحصول على المياه النقية خصوصاً في الجنوب.

لسنا في مجال المقارنة بين كرة القدم ومشكلة الغذاء، فالساحرة المستديرة تجذب الملايين وتعطي بارقة أمل للفرحة، ريثما ينسى الناس بطونهم الجائعة. تنبع هذه البارقة من شعارات كالوطنية والعزة القومية، ونحو ذلك. في الوقت الذي لا يتابع فيه تحليلات الوضع الاقتصادي، والمشاكل الجوهرية للشعوب سوى قلة قليلة من الناس، لا تأثير لهم. خصوصاً ونحن نرى انحياز الإعلام الواضح نحو الفئة الأولى، ودغدغة مشاعر الجماهير وليس بطونهم.

بالنظر المجرد إلى تلك القمة، وما صدر عنها من بيان، نجد أن الوضع مخيب للآمال، فقد تغيب زعماء معظم الدول الغنية، وأعضاء مجموعة الثماني، في الوقت الذي لم تُصدر فيه القمة سوى بيان إنشائي عام يتضمن وعوداً بضخ المزيد من الأموال للمساعدات الغذائية، في العالم. لم تفلح القمة، بحسب وكالات الأنباء، في الحصول على تعهدات من الدول الغنية برفع قيمة المساعدات الإجمالية للدول الفقيرة إلى 44 مليار دولا سنوياً، بدلاً من 7.9 مليارات المقدمة الآن.

يخطئ الفقراء في العالم، حين يظنون أن الدول الغنية ستأتيهم بالأموال على طبق من ذهب، خصوصاً إذا ما علمنا أن سياسات الدول الغنية تحكمها اقتصادات رأسمالية، تتحكم فيها الشركات الكبرى. فطرق الري الحديثة، والأسمدة، وآلات الفلاحة تملكها شركات لاهم لها سوى زيادة رأسمالها، هكذا هو الاقتصاد، ولا مجال هنا للحديث عن الشفقة والأخلاق، مما يطرح سؤالاً جوهرياً بشأن علاقة الإنسان بأخيه الإنسان.

إن الدول الفقيرة ذاتها محكومة بأنظمة فاسدة، ومن غير المعقول أن يدافع عن الجوعى من لم يشعر بالجوع يوماً، فقد يقول قائل إن الدول الغنية لم تحضر الاجتماع المذكور لأنها لا تعرف طعم الجوع، ولكن هل يعرف زعماء الدول الفقيرة الحاضرون طعم الجوع؟ هل شعروا بمعاناة شعوبهم يوماً؟ لم يعد مقبولاً في عصر الرأسمال هذا أن تمد الدول الفقيرة يديها طالبة العون من الآخرين. الأمر جله يتعلق بتوفير أدوات للزراعة الحديثة، وتوفير آبار للسُقيا، ومن ثم تنظيم السوق المحلي وتحديد أسعار مناسبة للغذاء. فلتنطلق الدول الفقيرة من الداخل، وجلها يمتلك التربة الخصبة للزراعة، ومن غير المؤمل أن تخفض الدول الزراعية، أو المصدرة للمنتجات الزراعية من أسعار السلع. في ظل عالم لا يحكمه سوى السوق الحرة، والاقتصاد المنفتح، بكل مساوئه وبعض حسناته.