آخر وطن: لا تستوي الشمس... والحجر!
إذا كنت تعتقد أنك شمس فلابد أن تُشع!
أعتقد أن هذه حقيقة قاطعة، والجدل ضد مضمونها، جدل خاسر، إذ ليس مهما ما نراه في أنفسنا، بل ما يتشكل نتيجة هذا الاعتقاد، قد يرى أي منا أنه شمس لا يطلع الصباح إلا بإذنه، ولا يرتقي المساءُ عرش السماء إلا برغبته، وقد يتلبّسه يقين بأنه مَن يبعث الدفء في شرايين الشجر، وأنه هو مَن يفتح شبابيك النور في بداية اليوم لموسيقى العصافير، ويبارك ريش أجنحتها لتنعم بدغدغة الفضاء، وقد يعتقد أيضا أنه الحارس الأمين لخطوات السائرين في دروب الحياة، ينير الطريق لهم، ويجنبهم عثراته وأشواكه التي تتربص بأقدامهم. قد يعتقد أيّ منا في نفسه أنه شمس، ولكن هذا الاعتقاد يظلّ وهما ساذجا لا يؤمن به سوانا، ما لم يرَ شخص آخر أن بنا وهجا مضيئا. نستطيع أن نرى في أنفسنا ما نريد، ولكن ما لم يؤمن أحد ما بذلك فسيظل ذلك مجرد كذبة غبية، وربما غرور أحمق. إذا كنت شمسا فلابد أن تضيء، وأن يكون هناك مَن يرى ضوءك، ليس مهماً عدد مَن يراه، فحتما هناك مَن لا يريد أن يبصر، ولكن أيضا هناك مَن يريد أن يرى ويبصر، هناك مَن يبحث عن إيمان حقيقي، هناك مَن يريد أن يصدق أنك شمس، وأن ينعم بسنا أشعتك الذهبية حيثما خطت أقدامه، وأن يشعر بدفء أطرافه حينما تظهر، وبعدم قدرته على الرؤية حينما تغيب، هناك مَن أنهكت عينيه الظلمةُ، ويريد بشدة أن يرى النور، هناك من يحتاج إلى أن يصدّقك... لو صدقت!!!، إنه لن يصدقك ما لم يرَ آياتك، وما لم تملأه عقلا وروحا بعظمة نورك ومجد سناك وبهاء دفئك. إذا كنت تعتقد أنك شمس، فلابد أن تشع، لتجد مَن يؤمن بك. حتى الرُّسل احتاجوا إلى آيات بيّنات ليجعلوا الناس تصدق نبوّتهم وتؤمن برسالتهم، فمنهم مَن كانت النار عليه بردا وسلاما، ومنهم مَن فلق البحر نصفين، ومنهم مَن أعاد الحياة إلى ميّت، ولأن الله خبير بالعباد، لم يرسل رسولا دون آية، ولولا تلك الآيات وتلك الدلائل لما وجد أولئك الرسل مَن يؤمن بهم، وهم، وبرغم آياتهم كذَّبهم البعض، فكيف يتوقع البشر العاديون أن يصدّقهم الناس ويؤمنون بما يزعمون دون آيات تدل على ما يزعمون؟!! بل إن البعض يرى في نفسه شمسا، ويتصرف على أنه حجر! فهو لا يُنير ولا حتى يعكس النور، وبدلا من أن يكشف عثرات الدرب كما يليق بشمس، يكون هو أحد عثرات الدرب لأنه حجر، وعوضا عن أن يكون بشارة الحياة للعصافير في بداية كل يوم، يكون أداة لقتلها، وطوي صفحة موسيقاها من الوجود. البعض يتصرف كحجر، ويريد من الآخرين -بكل بجاحة- أن ينصّبوه شمسا، متجاهلا حقيقة مهمة: إذا كنت شمساً فلابد أن تُشع، لعلك تجد مَن يؤمن بك... لتصبح كذلك.