قد يكون معتاداً الحديث عن السياحة الترفيهية أو ما يسمى بـ»التسلوية». بلدان عديدة تفتح موانئها ومطاراتها، وتجهز أنديتها ومعالمها السياحية الترفيهية لاستقبال هذه الشريحة، إلا أن أوطاناً عربية وإسلامية أخرى، قد تبدي تحفظات بهذا الشأن، ولا تفتح أحضانها لاستقبال الباحثين عن الترفيه. الأمر مرتبط بموروثات دينية واجتماعية وعادات يتطبّع بها السكان المحليون، وقد لا يروق لهؤلاء السكان سلوك السائح الأجنبي أو العربي الذي يدفع بسخاء، ويبحث عن المتعة.
تنامت أخيراً فكرة السياحة الثقافية وهي البديل الحقيقي لـ»المطبّات» والإحراجات الاجتماعية التي توقعنا بها «السياحة التسلوية». فالبلدان العربية تتمتع بكم هائل من المعالم الأثرية التي قد تكون وجهة محببة للباحثين عن المتعة والفائدة الثقافية في آن. وبحسب كثير من الاستطلاعات والأرقام الصادرة عن مراكز الدراسات ووكالات السياحة فإن السائح المعاصر أياً كان موطنه الأم، (أوروبا، أميركا، اليابان، دول الشرق الأخرى) لم يعد معنياً بالبحث عن ناطحات سحاب، أو مجمعات تجارية يلمع في ظاهرها الزجاج متعدد الألوان. لم تعد معالم المدينة الحديثة ولا الفنادق المرفهة الوجهة المحببة لهؤلاء، وفي حال توفر الأمن، وهو المطلب الأول الذي يفكر فيه السائح قبل حزم أمتعته، فإنه يفكر في الدرجة الثانية عن الفائدة الثقافية التي يتحصل عليها، وبالطبع ثمة مسائل أخرى دقيقة وتفاصيل محلية لابد من توفرها من قبيل البحث عن وسائل نقل آمنة، وأطعمة، وأماكن للراحة، وطقس ملائم إلى حد ما، كل هذه الأمور يأخذها السائح بالاعتبار، وتتنبه لها البلدان المضيفة.تلعب الشريحة العمرية دورها في هذا الصدد، فابن العشرين قد يندفع نحو التسلية، وكل ما له صلة بالمدنية المعاصرة، إلا أن شخصاً يتجاوز الأربعين من العمر قد لا يكون مهتماً بالترفيه بالدرجة التي تعنيه حضارة المنطقة، وتاريخ الشعب الذي يزوره، وعاداته الثقافية وإرثه الغنائي والفني.وثمة أوطان عربية قطعت شوطاً لا بأس به من حيث الإعداد للثقافة السياحية، ومن هذه مصر العربية، بما تحويه من تاريخ حافل وحضارة ممتدة، وكذلك المملكة الأردنية ومعالمها المشهورة، مثل البتراء وجرش وقلعة الكرك، ويمكن أن نضيف إليهما سورية والمملكة المغربية وتونس، واليمن بما تتمتع به من عمارة هندسية تراثية هي بمفردها محفز سياحي كاف، إلا أن الهاجس الأمني باعث على القلق لدى كثير من قاصدي هذه المنطقة.بمحاذاة ذلك تمتلك بلدان الخليج العربية مقومات للسياحة الثقافية وإن لم تُستغل بالشكل المأمول حتى اللحظة، يعود ذلك إلى الارتباط الآلي والتقليدي الذي يتداعى إلى الذهن حين الحديث عن السياحة بشكل عام. فالانفتاح والحرية الترفيهية اللتان حققتهما مملكة البحرين ومعها إمارة دبي، قد تضع العديد من نقاط الاستفهام أمام المجتمعات الخليجية المحافظة بطبعها، فالسكان المحليون أنفسهم قد لا يتحمسون كثيراً لاستنساخ التجربة، ناهيك عن الحكومات والمؤسسات التشريعية، إلا أن تفريقاً واجباً لابد من الأخذ به حين الحديث عن «السياحة الثقافية» فالمملكة العربية السعودية تتوفر فيها أماكن أثرية ذات طبيعة ثقافية دينية قد تكون موطن اجتذاب للزوار على امتداد السنة كلها لا في المناسبات الدينية فقط، كما أن مناطق مثل الحجاز وتبوك والدرعية تحوي معالم تاريخية ذات علاقة بالرحلات الدينية قديماً، وتأسيس نظام الحكم حديثاً، هي مواطن جيدة لاجتذاب السياح إذا ما تم استغلالها، وأما في الكويت فهناك جزيرة فيلكا وبعض المعالم في محافظة الجهراء، والأبنية الأثرية على شاطئ الخليج، كل هذه يمكن اعتبارها كنوزاً سياحية تساعد على تهيئة الأجواء المناسبة للرحلات من خارج الكويت لا داخلِها فقط.
توابل
السياحة الثقافية الفكرة البديلة
08-08-2010