هل بوسعنا التأكيد اليوم على وجود اتجاهات أو نوعيات في السينما المصرية، تثريها وتجعلها كسابق عهدها في مراحل ازدهارها وعقودها الذهبية؟

Ad

لا نظن أن ذلك قد حدث بعد، فالسينما المصرية بالكاد خرجت من عنق الزجاجة، أي سيطرة اتجاه واحد هو الفكاهي الخفيف، ابتداء من عام 2007، وربما أو بدأت تتعافى، إلا أنها ما زالت متعثرة كمّاً وكيفاً.

رأينا أول اتجاه حاول أن يحل مكان الاتجاه الفكاهي متمثلاً في نوعية سينما الحركة (الأكشن)، لكنه جاء في معظم نماذجه مفتعلاً ضعيفاً، لسببين أولهما ضعف إمكانات تلك النماذج وتقنياتها، على عكس ما تتطلبه هذه النوعية، وثانيهما خلو تلك الأعمال من أي مضمون اجتماعي أو سياسي أو نفسي يدعمها، فالحركة حينما تأتي في الفراغ لا تعني شيئاً ولا تمتع أحداً.

مشكلة ضعف الإمكانات والتقنية هي أيضاً ما أدى إلى وأد أو على الأقل تعثر نوعية سينمائية أخرى، هي تلك التي تحاول تقديم «الرعب» أو توظيفه، والتي أطلت برأسها عبر فيلم متواضع المستوى هو «كامب»، لكن لم تلبث تلك النوعية أن توارت.

إحدى النوعيات التقليدية التي كانت تشهد ازدهاراً كبيراً في مراحل سابقة من مسيرة السينما المصرية الفيلم الغنائي والاستعراضي، ولم يبق منه راهناً سوى محاولات تامر حسني وإلى حد ما حمادة هلال، وأصبح مصطفى قمر مقلاً ولم نعد نسمع شيئاً عن فيلم ينوي تقديمه محمد فؤاد، وطبعاً لا نية لأسماء من نوع عمرو دياب أو أنغام أو شيرين في تقديم أعمال تصبّ في هذا المجال... وحتى «أهل المغنى» العرب غير المصريين على قلة تقديمهم في أفلام مصرية لم نرهم في أفلام غنائية أو موسيقية أو استعراضية، مثلما رأينا هيفا وهبي في «دكان شحاتة» في موسم سينما 2009، فقد أراد مخرجه خالد يوسف توظيف حضورها وجماهيريتها في فيلم ذي طابع ملحمي ويُعبر عن إشارات سياسية.

اتجاه الفيلم الغنائي الذي كان محبوباً ونعتقد أنه لا يزال كذلك أصبح متقلصاً ونادراً، على رغم أن لدينا اليوم في مصر خصوصاً والعالم العربي عموماً عدداً من مطربات ومطربين يصلحون لتقديم سينما غنائية مزدهرة.

إذاً فلا يزال وضع معظم الاتجاهات والنوعيات في السينما المصرية في خانة انحسار وأحياناً اندثار.

كذلك لا تُقدّم السينما ذات الطابع الرومنسي إلا في محاولات يأتي معظمها بمعالجات ساذجة، وغير أصيلة أو صادقة، ولا تتوافر سينما تتقصى أو تغوص في العامل النفسي، إضافة إلى أنه من النادر أن نجد فيلماً اجتماعياً أو سياسياً متعمقاً أو جاداً.

والغريب أن النوعية التي نجدها اليوم تطلّ، وتحاول أن تكسب أرضاً هي سينما استغلال مخاطبة الغرائز واستغلال لقطات العري أو الجنس لترويج السينما كسلعة ولجني أكبر أرباح ممكنة.

نعم، فالسينما لدى أصحاب هذه النوعية مجرد سلعة أو بضاعة لجلب مزيد من الأرباح، ولو على حساب الفن والمتلقي وأي قيمة أو شيء!

والأغرب أن هؤلاء يأتون اليوم في ثوب المدافع الجريء عن الفن الحقيقي، في مواجهة سنوات سادت فيها عقلية سينمائية ترفع شعار (السينما النظيفة)، أي سينما بلا قبلات وتتجنب مشاهد الجنس أو التعري. وإذا كانت هذه «السينما النظيفة» جاءت في معظمها على نحو ساذج، وفي أفلام ضعيفة أو متواضعة المستوى من مختلف الوجوه، فإن الأفلام التي جاءت لتكون نقيضها، نراها لا تختلف عنها من حيث الضعف أو السذاجة والافتعال مثل «قبلات مسروقة» إخراج خالد الحجر أو «دكتور سيلكون» إخراج أحمد البدري... أو أفلام المنتج الذي تحول إلى مخرج بجانب الإنتاج هاني جرجس فوزي، الذي يعدنا بسلسلة مدهشة منها، قدم منها حتى الآن «بدون رقابة» ويُعرض له راهناً «أحاسيس»!

الملاحظة اللافتة والمهمة، أن أجهزة الرقابة التي تتشدد أمام الفيلم السياسي، والفيلم الديني والتاريخي (حتى أن نوعيته اختفت تماماً)... لم تعد تتشدد الآن أمام سينما «المناظر العارية»!

كما لو أن ثمة توجهاً لتشجيعها ربما من باب إلهاء الناس فيها، بعيداً عن مواجهة مشاكلهم الحياتية، والمطالبة بحقوقهم فيها.

أليس هذا الاحتمال وارداً، وأليس ذلك التساهل أمام هذه الأعمال لافتاً؟

فتحت شعارات لأصحاب تلك الأفلام تؤكد رفض مفهوم «السينما النظيفة»، يقدمون هؤلاء اليوم «سينماهم غير النظيفة»!

الحقيقة أن تلك سينما قد نطلق عليها تسمية «السينما الوقحة» في أقل تعبير!

الاتجاهات والنوعيات التي قد تثري السينما المصرية ما زالت متعثرة وأحياناً غائبة، وما يقدم ويحاول أن يستشري هو حتى الآن، للأسف، في نسبته الأكبر مجرد ثرثرة، و{قتل للوقت»... وللفن!