عنوان المقال هو لرواية كتبها المؤلف الجنوب إفريقي (ج. م. كويتزي)، وهو حائز جائزة "نوبل" للآداب 2003، وصدرت ترجمتها العربية من المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، وبيروت عام 2004.

Ad

الرواية تعبير بليغ عن حرب بلا رصاص، وتحكي قصة "مدينة" قسم من مواطنيها مستقر والقسم الآخر بدو يعيشون في أطراف المدينة يجمعهم حب ووئام، ويتبادلون المنافع التجارية والاقتصادية، ويعيش في تلك المدينة قاضٍ يدير الأراضي، ويتابع بانتظام إمدادات الحامية، ويشرف على الموظفين، ويراقب التجار، ويترأس المحكمة الصغرى مرتين في الأسبوع.

القاضي الذي اتخذ منه المؤلف بطلاً للرواية يعيش مع أهل البلدة في هدوء حتى مجيء العقيد "غول" من المكتب الثالث (أهم فصائل الحرس الوطني في العاصمة) بحثاً عن الأعداء الوهميين والقضاء عليهم بغية تكريس هيبة الإمبراطورية... لكي يجبر القاضي ومعه أهل البلدة على الانتظار، انتظار الشر الذي يتربص بهم من قبل البرابرة، وهم "البدو" الذين خلقت تصرفات وممارسات العقيد "غول" منهم أعداء وهميين، حيث صورهم وكأنهم سيزحفون إلى المدينة، فقد أوغر قلوب بعضهم على بعض، وأحدث فجوة بين سكان تلك المنطقة.

تقدم هذه الرواية تصويراً رائعاً ومدهشاً لحروب مفتعلة ووهمية تقوم بها الدول والإمبراطوريات والإدارات الحكومية لإظهار القوة وإرهاب الشعوب، وتعرض أفكاراً فلسفية عن الحياة وذهنية رجل المخابرات حامي الإمبراطورية، وتدمير حياة هانئة وسعيدة باسم شعارات كبرى عن الوطن.

تتداخل في الرواية الأحداث والأحلام والأفكار والأزمنة في إمبراطورية رمزية عن إيجاد البرابرة، وليس انتظار مجيئهم تحت رحمة المصادفات، وإذا كان البرابرة ضرورة فلابد من وجودهم أو إيجادهم من أجل تحقيق أهداف معينة.

بعد وقت قصير دمرت تلك المدينة وذهب ريحها وأصبح أهلها شعوباً وقبائل متناحرة، ولم يستطع القاضي أن يصلح الخراب الذي أحدثته فكرة بث رعب "البرابرة" في نفوس الناس، فمن السهل إصلاح البنايات والطرقات والمدارس، لكن من الصعب جداً إصلاح النفوس المخربة بفعل بث الحقد والكره في قلوب الناس، وهذا ما حصل بالضبط في هذه المدينة.

هذا مختصر لرواية ألفت لتحكي عن حقبة زمنية قديمة، إلا أن أحداثها قد تدور هذه الأيام في دولة ما، ولربما في دولتنا ولمَ لا ونحن قد بدأنا نتلمس شخوص تلك الرواية ونشعر بأحداثها من حولنا، وكأننا بحاجة ملحة إلى أن نتمعن في قول الشاعر نصر بن سيار:

أرى تحت الرماد وميض نار           وأخشى أن يكون لها ضرام

فإن لم يطفها عقـلاء قـوم                 يكون وقودها جثـث وهـام

فإن النار بالعوديـن تذكـى              وإن الحـرب أولهـا كـلام

أقول من التعجب ليت شعري         أأيقـاظ أمـيـة أم نـيـام

على كل لنستوعب تلك الرواية، ولنأخذ العبرة من أبيات نصر، ولكن قبل هذا كله، لنستعد فـ"البرابرة" قادمون لا محالة!