اسماعيل الفهد المبدع القارئ
تعرفت إلى الأديب الروائي إسماعيل الفهد سنة 1997 عن طريق أحد الأصدقاء، ومازلت أذكر زيارتنا الأولى إلى مكتبه في الكويت، حينها قال لي ذلك الصديق ونحن في المصعد: «ميزة الفهد شيء واحد، هو أنك ستخرج بذخيرة كبيرة من الكتب والإصدارات الأدبية، بعد التعرف إليه».
وبالفعل صدق صاحبي، فقد أهدى إليَّ الفهد كماً هائلاً من مؤلفاته الشخصية، وإصدارات أصدقائه من الروائيين والأدباء العرب، هي طريقة جيدة للإيقاع في فخ القراءة.واليوم إذ يحتفل عدد من أصدقاء الفهد بسبعينيته، فإن السؤال يتبادر بشأن مكانة الفهد الأدبية ليس في الكويت والخليج فحسب بل على خارطة الإبداع العربي، وحين أصدر روايته الأولى «كانت السماء زرقاء» سنة 1970 لم يستطِع كثير من الأقلام العربية استيعاب الدهشة والانصدام من هكذا عمل إبداعي يصدر من بقاع الجزيرة العربية، وهي المنطقة التي لم تتجاوز -بحسب رأيهم- ذاتية الشعر وتاريخيته المتجذرة منذ الأصول.يدخل الفهد بهذا العمل والأعمال التي تلته خارطة الإبداع العربي من أوسع أبوابه، خصوصاً بعد أن أصدر ثلاثيته الشهيرة «النيل يجري شمالاً-البدايات» و»النيل يجري شمالاً-النواطير» و»النيل، الطعم والرائحة»، لتنفتح بعدها شهية الكتابة، ويتفرغ للقراءة والتأليف.كان بإمكان الفهد أن يتفرّغ للفعل الثقافي «المترف»، كأن يستغل علاقاته الشخصية مع النخبة العليا من الأدباء والنقاد العرب، ويطير في كل أسبوع من وطن إلى آخر لعقد ندوات، وتلميع ذاته، من خلال حياة الفنادق وما يتبعها من علاقات شخصية، هو لم يفعل ذلك، ولم يفكر بهذه الطريقة، بل كلما زاد خبرة وإبداعاً، زاد تواضعاً ولهثة وراء القراءة والتأليف، هكذا هو منذ عرفته لما يربو على اثنتي عشرة سنة. لم نأتِ يوماً على ذكر رواية أو مجموعة قصصية لمبدع عربي أوعالمي مترجم إلا بادر بالقول «قرأتُها، وملاحظاتي عليها كيت وكيت»، ويأتي بأدق التفاصيل من داخل ذلك العمل.بالطبع، ستشعر بشيء من «الغيظ» لأنك لم تقرأ ذلك الكتاب أو تلك الرواية والفهد متفرغ للقراءة، القراءة، والكتابة فحسب، وحين كان ملتقى الثلاثاء الثقافي يعاني اختناقاً، بفعل التضييقات المادية والمؤسساتية، وجدنا الفهد يفتح أبواب مكتبه مشرعة لاستقبال أنشطته، بل ويساهم في دعوة العديد من الأدباء والنقاد والمسرحيين العرب لإلقاء محاضرات في الملتقى، والتعرف إلى أعضائه، وجلّهم من المثقفين العرب العاملين في مجال الصحافة والتعليم، مع عدد من المبدعين الكويتيين.ساهم الفهد إذاً في إحياء ملتقى الثلاثاء بجهده الشخصي، والكثير من وقته، لا لشيء إنما من أجل فعل ثقافي جاد، والوقوف إلى جانب هؤلاء الأدباء الذين يؤمنون بأن تلاقح الأفكار والتمازج الثقافي هما السبيل الوحيد للارتقاء بمستوى الإبداع المحلي.لم يكن الفهد يوماً مستبداً برأيه، بل هو آخر من يدلي بدلوه، ويجعل الجميع يشعر بمسؤوليته، ومكانته، وعلى مستوى إبداعه الشخصي نجده يتقبل النقد، ولم نسمع عن عدائه يوماً مع أحد لمسائل شخصية أو إبداعية، وذلك ما يجعل منه «كاريزما» محببة إلى الجميع بحسب تعبير الزميل الروائي طالب الرفاعي.إضافة إلى نشاطه الداخلي واحتضانه ملتقى الثلاثاء الثقافي، ساهم الفهد في إيصال أصوات أدبية كويتية إلى فضاء العربية الأوسع، وما أن يتحدث أحد عن الإبداع في الكويت في أي عاصمة عربية، إلا ويتبادر سؤال من الحضور: كيف هو إسماعيل الفهد؟ وكأنه يختزل الإبداع الروائي المحلي في جسده الضئيل وذهنه المنهك قراءة وتأليفاً.للفهد إلى جانب الكتابة الإبداعية إصدارات نقدية في المسرح والرواية تستحق التوقف، من بينها: «الكلمة الفعل في مسرح سعدالله ونوس»، «القصة العربية في الكويت» و»الفعل الدرامي ونقيضه».