قضايا وشجون وزارة التربية لا حصر لها ولعل لا أمل في علاج الكثير منها في ظل المنهجية المتبعة على مدى سنوات طويلة غلفتها الرتابة وروح التفكير القديمة التي أكل عليها الدهر وشرب، ولا نريد أن نخوض في دهاليز التربية وهمومها لأن الولوج فيها يقود إلى أنفاق لها بداية ولكن ليس لها نهاية، والأهم من ذلك قد لا يكون من المناسب طرح أمهات القضايا التربوية في مقالات مختزلة فمكانها الحقيقي ورش العمل والمنتديات المتخصصة في إطار مناقشات عميقة ومطولة.

Ad

ولكن ثمة مسألة مهمة استغرب "حوسة" وزارة التربية في حسمها رغم بساطتها وسهولة حلها وهي حقيبة الطالب المدرسية، وموضوع الحقيبة ليس له علاقة مباشرة بالفكر التربوي ولا بالمحتوى العلمي للمناهج الدراسية ولا بفلسفة التعليم، ولكنها مسألة فنية وتقنية يظل الطالب يدفع ثمنها عبر حمل الأثقال على ظهره طوال العام الدراسي.

والغريب أن وزارة التربية تخرج لنا يومياً بعناوين براقة لتتفاخر بتدشين التكنولوجيا الحديثة وإدخال أجهزة الحاسوب في النظام التعليمي وتعد باستمرار بأن تكون هذه التقنية بديلاً عن الكتب الورقية بحجمها الكبير ووزنها الثقيل، ولكن شيئاً من هذا القبيل لم يحدث، بل إن الكتب تحولت إلى أجزاء وزاد عددها وأضيفت إليها كراسات التدريب وبدأت المدارس تعود إلى الكشاكيل ذات المئة وخمسين صفحة، الأمر الذي حوّل حقيبة الطالب إلى "خيشة" منتفخة وثقيلة تجعلك ترثي لحال الطلبة، خصوصاً من الأولاد والنبات في المرحلة الابتدائية والمتوسطة وهم محدودبو الظهر كل صباح وأكثر إرهاقاً بعد نهاية اليوم المدرسي!

الوزير الأسبق المرحوم أحمد الربعي رفع شعار القضاء على ظاهرة الحقيبة المدرسية قبل حوالي عقدين من الزمن، وتعاقب على وزارة التربية منذ التحرير حتى الآن عشرة وزراء مختلفين جميعهم من الوسط التربوي والجسم الجامعي ومع ذلك بقيت هموم التربية على حالها والتعليم من سيئ إلى أسوأ والثقة بالفلسفة التربوية تتضاءل سنة بعد أخرى والهجرة من التعليم العام إلى التعليم الخاص في ازدياد مستمر، ولم يتم حتى معالجة قصة الحقيبة المدرسية!

فأين الخلل ومن المسؤول؟ كان الانتقاد في السابق على القيادات التربوية المعمرة والقديمة في فكرها التقليدي، ولكن حتى تلك القيادات تبدلت أكثر من مرة ومازال قطار التربية ساكنا في مكانه رغم تبديل الكبائن وديكوراتها الداخلية، لكن يبدو أن ماكينة القيادة مازالت هي ذاتها منذ عقود من الزمن.

فكرة حقيبة الطالب في الحقيقة سهلة وفي غاية البساطة، فإما استبدالها بالأقراص الممغنطة خصوصاً أن جميع الطلبة باتوا على دراية كاملة باستعمال أجهزة الحاسوب، وإما إذا أردنا أن نحافظ على جودة التعليم من خلال الكتابة والقراءة التقليدية، وهي من الأمور المهمة، فيمكن أن تظل الكتب المدرسية في خزانة الطالب المدرسية ويكتفى بحمل أوراق الواجب المنزلي لتعاد في اليوم التالي إلى ملف الطالب في خزانته التي صرفت باسمها الأموال الطائلة، ولكنها لم ترَ النور أصلاً لتظل "خيشة" الطالب على ظهره إلى الأبد!