استقلت البلاد في 19 يونيو 1961. لم يكن واضحاً في طيات الاستقلال وكواليسه أنه كان هناك عزم دع عنك العزيمة لانتهاج نظام دستوري. عوامل عدة دفعت بالاتجاه نحو الدستور، منها الداخلي ومنها الخارجي، وبالطبع كان شيخنا العود عبدالله السالم رحمه الله واحداً من تلك العوامل.

Ad

ما إن استقلت الكويت حتى ادّعى عبدالكريم قاسم في مؤتمر صحافي بوزارة الدفاع ببغداد أن ذلك الاستقلال مرفوض، وأن الكويت ليست إلا قضاءً سليباً كان تابعاً لولاية البصرة. أما أجمل تعليق حول هذا الادعاء المزور فكان لرئيس الوزراء الهندي نهرو، مسفّهاً أقاويلَ قاسم.

قام الشيخ عبدالله السالم بتفعيل اتفاقية الصداقة وطلب من بريطانيا المساعدة، فجاءت تلك القوات من قواعدها في كينيا وقبرص والبحرين. كانت طليعة تلك القوات فرقة «جرذان الصحراء» المدربة خصيصاً على ظروف الصحراء الحربية.

تمت تسمية تلك العملية «بعملية فانتج». وتمركزت القوات البريطانية في شمال الكويت بمنطقة الروضتين، إلا أن «الجرذان» لم يصمدوا أمام شمس الكويت «الحنانية»، فقد قُدِّر عدد الإصابات بضربة الشمس تقريبا بمئة حالة يومياً.

شمس يوليو وأغسطس لدينا تذيب رمال الصحراء، فما بالك بالإنكليز حتى لو كانوا جرذان صحراء.

عربياً، ساندت الجامعة العربية الكويت، ودفع الرئيس المصري جمال عبدالناصر بثقله، حيث تم قبول الكويت عضواً في الجامعة العربية بغض النظر عن انسحاب العراق. وتفاعلت القوى السياسية المحلية مع الحكم، على الرغم من القطيعة التي تسببت فيها أحداث 1959، فعلى الرغم من تشكيكهم في عبدالكريم قاسم وفي نوايا بريطانيا، فإن قيادات حركة القوميين العرب من أمثال د. أحمد الخطيب وجاسم القطامي، وقفت بقوة مع استقلال الكويت، وأصبح القطامي أول وكيل لوزارة الخارجية اتفاقاً مع الشيخ عبدالله السالم على أن تصبح الكويت دولة دستورية، وخاض الدكتور الخطيب انتخابات المجلس التأسيسي ليصبح نائباً للرئيس. كما تم تشكيل لجنة برئاسة الشيخ جابر الأحمد رحمه الله، جالت عربياً وعادت بمحصلة أن النهج الأمثل للكويت المستقلة هو النهج الدستوري. ولم يطل العهد بالقوات البريطانية، إذ رحلت وحلّت محلها قوات عربية.

لم تحقق الكويت ذات النجاح على المستوى الدولي كما حققته عربياً، إذ استخدم الاتحاد السوفياتي حق النقض (الفيتو) ضد قبولها عضواً في الأمم المتحدة، ولم تحقق ذلك إلا في 1963 بعد سقوط قاسم وإزاحته عن السلطة بانقلاب عسكري.

وهكذا أصبحت الكويت أو ما يسمى «أزمة الكويت» حالة تدرس في العلاقات الدولية ضمن اطار الحرب الباردة.

الدستور كان خياراً إذاً ضمن بدائل أخرى، ولكنه كان خياراً يُطبَخ على نار هادئة ربما، فجاءت أزمة الاستقلال لتعجل به وتجعله خياراً وحيداً، وشتان ما بين المبدأ والتفاصيل. ففي التفاصيل قوى سياسية وإصلاحية صادقة في توجهها نحو الدستور، وفي التفاصيل أيضاً قوى شابة متعلمة صاعدة، وفي التفاصيل أيضاً حاكم بسلاسة ومرونة عبدالله السالم.

فلنأخذ مثالاً واحداً على تلك التفاصيل التي سنعود لها لاحقاً.

فما إن تم الاتفاق على التوجه نحو الدستور، جرى الاتفاق على أن يصدر عن طريق مجلس منتخب، وحدث اختلاف حول عدد الدوائر الانتخابية. فالأسرة الحاكمة، كانت تريدها 20 دائرة، والقوى الإصلاحية كانت تريدها دائرة واحدة. فتم التوصل الى حل وسط وهو 10 دوائر.

إلا أن المفاجأة الصاعقة كانت في إصدار عبدالله السالم لقانون الانتخاب بـ20 دائرة. وسرعان ما تم تحرك مضاد للالتزام بالحل الوسط، ولسان حال القوى الإصلاحية يقول: «إذا هذا أولها... ينعاف تاليها»، وهددوا بعدم المشاركة. فما كان من عبدالله السالم خلال شهر واحد إلا أن ألغى قانون العشرين دائرة، وأصدر قانوناً جديداً بعشر دوائر. لم يتعنت الشيخ العود، بل تعامل بمرونة شديدة ممهداً الطريق لبدء المسيرة الدستورية، حتى صدر الدستور في مثل هذا اليوم، وكان يوم أحد من عام 1962.

* تحية لكل الجهات التي بذلت جهداً في إحياء ذكرى الدستور كدار قرطاس، ومجموعة صوت الكويت، ودار معرفي، وكلها جهات خاصة، وتشير إلى أنه لايزال هناك أمل.