لم تخطئ لجنة المتابعة العربية عندما اتخذت القرار الذي اتخذته واستجابت لطلب الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبومازن) بأن يكون الذهاب إلى المفاوضات غير المباشرة موقفاً عربياً، فالصراع بين العرب والإسرائيليين في هذه المرحلة يتخذ طابع لعبةَ شطرنج رقعتها العالم بأسره، إذ يسعى كل طرف إلى إسقاط المزيد من بيادق وقلاع الطرف الآخر على هذه الرقعة، التي هي بحجم الكرة الأرضية كلها.

Ad

كان العرب الأعضاء في لجنة المتابعة ومَن هم خارجها، يعرفون أن هذه الحكومة الإسرائيلية ليست حكومة سلام، وأنها لا تريد المفاوضات، مباشرةً كانت أو غير مباشرة، وأنها اتبعت سلسلة من الإجراءات الاستفزازية، بدأتها بالتزامن مع اقتراب عودة الموفد الأميركي جورج ميتشل إلى المنطقة، بافتعال مشكلة المسجد الإبراهيمي ومسجد بلال بن رباح (قبة راحيل) وضمهما إلى التراث اليهودي، وكان القصد أن يكون رد فعل الفلسطينيين عصبياً ونزقاً، وأن يبادروا إلى رفض ما كانت تسعى إليه الإدارة الأميركية، ومعها الاتحاد الأوروبي وكل دول العالم الفاعلة والمؤثرة.

وأيضاً كانت المملكة الأردنية الهاشمية تعرف هذه الحقيقة، وتعرف أنه من غير الممكن أن تتقدم عملية السلام، ولو بمقدار خطوة واحدة، مادامت حكومة إسرائيل هي هذه الحكومة، لكنْ ولكسب «لعبة الشطرنج» المحتدمة مع الإسرائيليين فقد دفعت في اتجاه اتخاذ القرار الصائب والصحيح الذي اتخذته لجنة المتابعة العربية، والذي لو أنها لم تتخذه لأعطت بنيامين نتنياهو انتصاراً مجانيّاً في هذه اللعبة، ولظهر الفلسطينيون أمام العالم على أنهم متشددون وعدميون، ولكانت الإدانات الدولية من الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين الآن موجهة إلى محمود عباس (أبومازن) والسلطة الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية.

ما كان بنيامين نتنياهو يريد أن تنتصر العقلانية في لجنة المتابعة العربية، وأن يصْدُر القرار الصائب والصحيح الذي صدر عن هذه اللجنة بالأغلبية تقريباً، وهو (أي رئيس الوزراء الإسرائيلي) كان يتمنى أن يكون اجتماع هذه اللجنة «رفضاويّاً» وأقرب إلى وجهة نظر «حماس» وفسطاط «الممانعة والمقاومة»!! وأن يُصدِر بياناً «مقاتلاً» يقطُر الشرر من عيونه، لتكون هذه المواجهة الدولية وهذه الإدانات الصادقة ليست له ولا لحكومته، وإنما للفلسطينيين والعرب الممثلين في هذه اللجنة، والذين هم خارجها.

لقد لعب عرب اللجنة الرباعية اللعبة باتساع أفق، وبمعرفة تامة بـ«نقْلة» الخصم اللاحقة على رقعة الشطرنج الدولية، ولذلك فإنهم قد كسبوا هذه الجولة، لأن تقديراتهم كانت صحيحة، ولأن بنيامين نتنياهو هو الذي بدأ سلسلة استفزازية لدفع الفلسطينيين دفعاً إلى الانسحاب من الميدان وإدارة الظهر عن الرغبة الأميركية ورغبة الاتحاد الأوروبي وباقي دول العالم المؤثرة ورفض المفاوضات المباشرة والمفاوضات غير المباشرة على حدٍ سواء.

ولذلك، ولأن العالم اكتشف بل تأكد من أن ترحيب نتنياهو بقرار لجنة المتابعة العربية كان كاذباً، وأن هدفه كان الخداع فقد جاءت هذه الإدانات الصحيحة والفعلية حتى من إدارة الرئيس باراك أوباما، كتأكيد على أن أصحابها يتفهمون الموقف العربي والفلسطيني الرافض للمفاوضات غير المباشرة، ما لم تُجبر الحكومة الإسرائيلية إجباراً على التراجع عن قرار الـ1600 مبنى استيطاني جديد في القدس الشرقية، وعن القرار السابق لهذا القرار، وهو المتعلق بالـ112 مبنى استيطانياً، والقرار الاستفزازي اللاحق الذي تحدث، وإن بصورة غير رسمية، عن النية في بناء خمسين ألفاً من هذه الوحدات الاستيطانية.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة