• مقدمة فرضها الحدث
في هذا البلد الصغير تَستهل الدولة الاعتداء على الحريات، حتى البسيط منها، فبعد كتابة المقال البارحة، بلغنا أن المفكر المصري د. نصر حامد أبو زيد قد تم منعه في المطار، وأعيد من حيث أتى، علماً بأنه كان قد حصل على «فيزا» من حكومة دولة الكويت، إلا أنه يبدو أن هناك حكومة أخرى لدولة الكويت قررت منعه من الدخول. الدكتور أبو زيد كان في طريقه إلى الكويت لإلقاء محاضرتين عامتين، ليغادرها بعد ذلك، فهل وصلت البلاد إلى هذه الدرجة من الجبن بأن تخيفها محاضرتان يتيمتان؟! نعرف جيداً أن هناك حسابات سياسية قد تأثرت بتهديد نائب هنا أو نائب هناك، فهل نتوقع من النواب الذين يُفترض أن يدافعوا عن الحريات موقفاً للتاريخ، أم أن الحريات ستكون دائماً ضحية الحسابات السياسية؟!* * *• عودة لمقالة اليوماليوم السادس عشر من ديسمبر هو يوم تاريخي للكويت وأهلها، وهو ملحق تكميلي ليوم تاريخي سبقه وهو الثامن من ديسمبر، ففي هذا اليوم، الذي سنقول عنه مستقبلاً «في مثل هذا اليوم» تمّ طرح الثقة لأول مرة في تاريخ الكويت والمنطقة بسمو رئيس الوزراء.الملاحظ هنا في الجدل الدائر حول هذه المسألة أن التركيز، ربما كل التركيز، انغمس حول شخصية سمو الرئيس وإن كان قادراً على الفعل أو غير قادر، وهي في ظني جزئية لا يفترض بأي شكل من الأشكال أن تصرفنا عن مشاهدة واستيعاب اللحظة التاريخية. هكذا هي للأسف طبيعة التحولات التاريخية التي يسبقها جدل حاد وانقسامات اجتماعية وسياسية.حقبة عبدالله السالم لم تخلُ من أحداث تاريخية، ومحطات محورية قبل الدستور أو بعده. وحتى بعد الدستور كانت ربما إحدى المحطات التاريخية مثلاً استجواب النائب راشد التوحيد للشيخ جابر العلي رحمه الله الذي يمثل أول تفعيل للممارسة الديمقراطية، إذ تمّ مبكراً وتحديداً في فبراير 1964 استجواب أحد أفراد الأسرة الحاكمة. لحق ذلك أزمة المادة 131 من الدستور في أواخر تلك السنة وما نتج عنها من إصرار للشيخ عبدالله السالم رحمه الله على المضي والتمسك بالدستور. ولكن، من يتذكر طبيعة الجدل الذي كان دائراً آنذاك؟ كان هناك حينها فريق من داخل المجلس ومن الأسرة يتحين الفرص للاستفادة من تلك الأحداث للإجهاز على الدستور نهائياً.من الواضح أن التصويت على «عدم التعاون» اليوم سيكون لصالح سمو الرئيس، وأن ذلك التصويت قد يخفف أو يشعل دائرة الجدل والصراع. ولكن ذلك يعني أن استجواب رئيس الوزراء أصبح أمراً عادياً، وأنه مثل أمور تاريخية أخرى سبقته، كإقرار حقوق المرأة السياسية وفوزها، أو تفعيل قانون توارث الإمارة وإقرار سمو الشيخ صباح الأحمد أميراً على البلاد من خلال مجلس الامة، أو تقليص الدوائر الانتخابية من 25 إلى 5 دوائر انتخابية، وفصل ولاية العهد عن رئاسة الوزراء وغيرها كثير.فلنتذكر جيداً طبيعة الجدل والنزاع حول تلك القضايا أو غيرها وهي حاضرة في الذهن، ولنتذكر أنه في كل منها كان طرفا المعادلة يتحدثان عن نهاية مزعومة للتاريخ، إلا أنه ما إن تم حسم المسألة، دخلت الممارسة، وأصبحت تاريخاً، ودخلت ضمن الممارسة العادية.الشعوب الواعية والحية تقوم بمراجعة لمسيرتها دون مساس بقواعد اللعبة الأساسية التي تعيد عقارب الساعة إلى الوراء من طرف واحد، وبالتالي تدمر مسار المجتمع بدلاً من رفده وتطويره نحو الأحسن.إن كانت المسيرة الدستورية قد شابتها أخطاء تستحق المراجعة، فإن حلها لا يكون عن طريق العبث بالدستور من طرف واحد، فقد ثبت لنا بالدليل القاطع في محاولتين سابقتين أن ذلك قد قادنا إلى كارثة ومأساة، فلماذا يُراد لنا أن ندخل في أتون مأساة ثانية؟
أخر كلام
زمن عبدالله السالم يوم تاريخي جديد
16-12-2009