ما إن أُعلِن في بيروت زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري للولايات المتحدة في الرابع والعشرين من الشهر الجاري حتى برز إلى الواجهة جو سياسي وإعلامي عبَّر بطرق مختلفة عن تحفظه عن هذه الزيارة.

Ad

وبدا واضحاً من خلال هوية الشخصيات السياسية التي انتقدت صراحة هذه الزيارة، ومن خلال التوجهات السياسية لبعض وسائل الإعلام، التي اتُّهِمت بأنها تسعى إلى "تفخيخ" الزيارة و"إجهاض" نتائجها الممكنة قبل حصولها، أن المحسوبين على سورية في لبنان لم يتلقوا بارتياح أخبار هذه الزيارة على نحو ذكّر بردة فعلهم على الزيارة الأخيرة لرئيس الجمهورية ميشال سليمان للولايات المتحدة قبل أشهر قليلة.

وفي ظل هذه الأجواء سارع الحريري إلى تحصين الزيارة، التي تهدف إلى البحث عن السبل الكفيلة بحماية لبنان في مواجهة التهديدات الإسرائيلية المتصاعدة، فأعلم مجلسَ الوزراء بأنه سيزور كلاً من السعودية والأردن ومصر وسورية وتركيا في إطار مجموعة زيارات تشمل الولايات المتحدة. ويكون الحريري بذلك قد التف على محاولات استهدافه من قِبل معارضيه المعروفين بارتباطاتهم السورية - الإيرانية. ويعزو المراقبون استهداف الحريري إلى أن الهدف من زيارته تحييد لبنان عن أية مواجهة إقليمية يكثر الحديث عنها، في حين تعتبر الاستراتيجية السورية - الإيرانية لبنانَ محور أية مواجهة مقبلة.

كما يلفتون إلى أن الاستياء السوري المُعلَن بصورة غير مباشرة من زيارة الحريري يأتي في وقت يتعثر فيه تقدم العلاقات السورية -الأميركية، والذي تُرجِم بتأخير إقرار الكونغرس إيفاد السفير  الجديد إلى دمشق وبقرار الرئيس باراك أوباما تمديد العقوبات الأميركية المفروضة على سورية سنة إضافية.

ومن العناصر التي تثير استياء سورية من زيارة الحريري "الفتور" الذي تتصف به العلاقات السعودية - السورية، والذي تُرجِم بتأخير الزيارة الثانية التي كان من المفترض أن يقوم بها الحريري لدمشق، لتثبيت نمط جديد من العلاقات بين لبنان وسورية، علماً أن الزيارة المقبلة للحريري لدمشق تأتي خارج هذا الإطار، بحيث إنها لن تتطرق في العمق إلى العلاقات الثنائية وتفاصيلها والاتفاقات التي ترعاها، ولكن إلى الظروف الإقليمية التي تعيشها المنطقة وانعكاساتها على البلدين.

ويذكِّر المراقبون بأن زيارة رئيس الجمهورية ميشال سليمان للولايات المتحدة ترافقت مع حملة عليه، وصلت إلى حدود مطالبته بالاستقالة، في حين أن الحملة على زيارة الحريري للولايات المتحدة تترافق مع حملة "تبشِّر" بتغيير حكومي قريب يأخذ في الاعتبار المتغيرات المتمثلة في خروج النائب وليد جنبلاط من "14 آذار"، وباعتبار حلفاء سورية المحليين أن الحريري في ظل هذا الواقع وغيره من المعطيات الداخلية لم يعد يمثل الأكثرية النيابية، مما يحتم تركيبة حكومية مختلفة في توازناتها.