محامو الحريات وحقوق الانسان
منذ إقرار التعديل الأول (First Amendment) على الدستور الأميركي في أواخر القرن الثامن عشر، الذي أسس لحماية الحقوق المدنية كحرية التعبير والصحافة والاجتماع، خـُـلِقــَت حركة عامة مازالت قائمة مبنية على هذه المبادئ والحقوق تصدرتها مؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام والناشطين من الأفراد، ومع مرور الزمن برز صنف من المحامين يطلق عليهم «محامو التعديل الأول» (First Amendment Lawyers)، وهم محامون نذروا أنفسهم للتصدي لقضايا الحريات وحقوق الإنسان، وأصبحت هناك جهات شعبية ومدنية تدعمهم مادياً ومعنوياً، ويعود لهم الفضل في إرساء العديد من السوابق القضائية التي جعلت من الولايات المتحدة منارة للحرية وحقوق الإنسان في العالم.
عندنا في الكويت، تزخر التشريعات واللوائح المتراكمة منذ بداية العهد الدستوري في 1962 بالكثير مما يخالف الدستور وينتهك مبادئ الحرية وحقوق الإنسان التي بُني عليها، وسبب استمرار انتهاكها هو عدم وجود قناة سالكة يستطيع من خلالها الأفراد عبر محاميهم التصدي لها وتصويبها، فقانون إنشاء المحكمة الدستورية منح الأفراد طريقاً وعراً للوصول إلى المحكمة الدستورية إما عن طريق الحكومة وإما عن طريق ممثليهم في البرلمان، وإما في أحسن الأحوال عن طريق الدفع بعدم دستورية القوانين من خلال محاكم أقل درجة، وهو أمر يتوقف على مدى إقتناع قضاة تلك المحاكم بجدية الدفع. منطقياً وتاريخياً، لا يُرتجى من الحكومة أو المجلس خيراً في تصويب تلك المخالفات كونها من صنع أيديهما، لذلك ليس لنا سوى اللجوء الفردي إلى المحكمة الدستورية، وهو مسلك أثبت فعاليته على الرغم من صعوبته في القانون الحالي، إذ شهدت السنوات القليلة الماضية نشاطاً متزايداً للمحامين في هذا المجال نتج عنه تصويب عدد من القوانين واللوائح غير الدستورية كالتجمعات والعلاوة الاجتماعية للمرأة وعدم جواز استئناف أحكام الجنح ذات الغرامات الأقل من 40 ديناراً وغيرها، ولنا موعد هذا الصيف مع نظر المحكمة بدستورية اشتراط موافقة الزوج عند استخراج المرأة جواز سفرها. فإذا كان بإمكان بعض المحامين المجتهدين تحقيق تلك المكاسب رغم صعوبة المسلك الحالي، فلنا أن نتخيل كم من الأوضاع غير الدستورية ستصلح فيما لو عُبــِّـد الطريق للأفراد للجوء مباشرة إلى المحكمة الدستورية.ممارسات السلطة التنفيذية المشبوهة دستورياً في إجراءات الاعتقال والحبس التي صاحبت قضية التأبين العام الماضي واعتقال النائبين ضيف الله بورمية وخالد الطاحوس أثناء الحملة الانتخابية، أسقطت الطرح الأزلي بأن قضايا الحريات وحقوق الإنسان هي أجندة ليبرالية أو تغريبية، وأثبتت أنه مثلما الحريات والحقوق لا تعرف جنساً أو مذهباً أو قبيلة، فإن ذلك ينطبق على انتهاكها أيضاً، لذلك فتصويبها مسؤولية الجميع، وحان الوقت لتبني اقتراح موقَّع من نائب من كل توجه وانتماء بتعديل قانون إنشاء المحكمة الدستورية باتجاه يسمح للأفراد باللجوء إليها مباشرة، ففي حال إقراره لا أشك بأنه سيبرز لدينا صنف من المحامين الكويتيين النشطين الذين سينذرون أنفسهم للتصدي لقضايا الحريات وحقوق الإنسان، على غرار نظرائهم في أميركا.