أصبح عادياً أن يصحو المرء على أنباء الانفجارات الدموية التي يذهب ضحيتها مواطنون أبرياء في باكستان وعلى أنباء العنف في أفغانستان، ولكن أغلبية الناس في منطقة الخليج، وهي المنطقة التي تشمل البلدين حسب التصنيف الاستراتيجي الدولي لما عُـرف بـ«الخليج»، غير منشغلين بهذا الخطر الداهم. فباكستان القريبة تمثل الـ«بوابة» الشرقية للمنطقة وما يجري في أفغانستان صار يؤثر عليها تأثيراً مباشراً، لأن الناس في الخليج مشغولون، ببساطة، بأنباء الأسهم و«الانتعاش» الاقتصادي الذي لن يكون إذا سقطت باكستان- وهي القوة النووية- أو تفككت!

Ad

والأكثر غرابة أن الوضع في اليمن القريب وعلى الجانب الآخر من مضيق باب المندب، في الصومال، لا يمثل «هماً» لأوساط الأسهم و«الانتعاش» الاقتصادي، فما بالك بالأوضاع في باكستان وأفغانستان. فلنربح من الانتعاش العائد... ومن بعدنا الطوفان! (الطوفان الذي سنكون من ضحاياه لا سمح الله!).

ولقد كان مفاجئاً لي ما قرأته في (الحياة: الخميس 29/10/2009) عن المناورات المشتركة بين قوات سعودية وقوات باكستانية، وخطاب الأمير خالد بن سلطان آل سعود، بما له من صفة رسمية سعودية عسكرية، في تلك المناورة «اليتيمة»!

ولابد أن نذكر هنا الالتزام البحريني والمشاركة الإماراتية في مواجهة الموقف. ذلك ما تحتاجه المعالجة المسؤولة للوضع القائم، وليس إخفاء الرؤوس في الرمال، لشم حركة الأسهم و «الانتعاش» المأمول!

وبالمثل كانت مقالة الأمير تركي الفيصل في صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية (بتاريخ 9/10/2009) بشأن أفغانستان الموجهة إلى الرئيس أوباما قبل أن يتخذ قراره النهائي بشأنها (وهو لم يتخذه حسب علمي، حتى كتابة هذه السطور)، وهي المقالة العربية الخليجية الفريدة التي تضمنت توصيات عملية لصاحب القرار في البيت الأبيض لمعالجة الموقف المتدهور هناك. واللافت في هذه المقالة قول الأمير تركي الفيصل في مستهلها بما يناقض البيانات الغربية من استخباراتية وعسكرية وإعلامية: «في الرياض، من الواضح أن «طالبان» ضعيفة في أفغانستان فسجلهم في إدارة الحكومة يتذكره الأفغان جيداً، بما في ذلك عدد كبير من الباشتون، حيث تضرروا جميعاً على أيدي عصائب (الملا) محمد عمر من طالبان».

وهو يفسر هذا التقدير بالقول: إن طالبان ليسوا حزباً متماسكاً في بوتقة تنظيم قيادي، ولا يربطهم بيان أو فكر سياسي (واحد)، إنما أي أفغاني متمرد ويقاوم الحكومة بالوسائل العسكرية، أو غيرها، يعتبر طالبانياً.

هذا في وقتٍ تقول فيه التقديرات الغربية إن قوة طالبان ازدادت أربع مرات عن السابق، وأنهم ألحقوا بالقوات الأميركية، بالذات، خسائر في الأرواح لا سابق لها منذ «الاحتلال» الأميركي لأفغانستان عام 2001م. وإذا ما نجحوا في إفشال الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الأفغانية، فإن تلك التقديرات الغربية ستكتسب مصداقية أكثر، مع ضرورة عدم غض النظر عن التقدير والتفسير اللذين يقدمهما الأمير تركي الفيصل في مقالته لـ«واشنطن بوست».

وقد تسربت أنباء صحفية عن عزم واشنطن على استمالة عناصر من طالبان بمساعدة باكستانية- التي يزيد فيها عدد الباشتون عن عددهم في أفغانستان- وكذلك بمساع سعودية.

والجدير بالتأمل- ومما يدعو إلى الطرافة الساخرة- إصرار الدول الغربية على إعادة الانتخابات الرئاسية الأفغانية، وهي مسألة شكلية، لا تعادل في الأهمية ضرورة «الإصلاحات الشاملة» في الوضع الأفغاني القائم، وليس التمسك بمفردة «الاقتراع» في وقتٍ تصل فيه بنادق طالبان إلى صدور مسؤولي الأمم المتحدة في قلب كابول، وهم الذين يحاولون خدمة الأفغان المحتاجين إلى أي عون ممكن. وإذا ما جرت الانتخابات- بعد إعلان المنافس الرئيس لكرزاي انسحابه منها- فالشكلية القانونية ستكتمل لكنها لن تحل شيئاً!

ومنذ الإخفاق العسكري السوفييتي في جبال أفغانستان- وهو إخفاق «تاريخي» عاناه من قبل البريطانيون وغيرهم من القوى التي حاولت السيطرة على الداخل الأفغاني- والدعوات والأصوات ترتفع، قبل وقوع الغزو الغربي الجديد، إلى طرح تصور شامل للتنمية في أفغانستان وتقديم الدعم المادي والمعنوي لهذا الهدف الصعب.

ولقد قام الأمين العام الجديد لحلف «الناتو» بزيارة المنطقة التي دخلت أربع من دولها الخليجية العربية في مبادرة إسطنبول للتعاون مع الحلف عام 2004، ودعا إلى مساهمة مالية وعسكرية من جانبها لا يعرف مآلها.

وباختصار فإن أفغانستان لا يمكن أن تدخل نادي الدول النامية إلا بمشروع تنمية شامل طويل الأمد، ولكن هذا المشروع يحتاج إلى استقرار وأمن. وما يتبلور اليوم لدى مختلف الأطراف المعنية بالشأن الأفغاني هو أن يصحب التعزيزات العسكرية مشروع شامل للإنماء، وذلك ما يُنتظر من إعلان أوباما بشأن أفغانستان.

فما حدث أن «الدولة «تفككت في البلاد، كما أن «القبيلة» بالمفهوم التقليدي للتماسك القبلي أصبحت شيئاً من الماضي، والناس لم يعودوا يتمسكون إلا بمحلياتهم الضيقة الصغيرة، فذلك ما أصبح وسيلة العيش والبقاء، ولكن يجب عدم فقدان الأمل في تحسين الأوضاع، فماليزيا الاتحادية التي يشيد الجميع الآن بجمعها بين تراثها السياسي والتقدم الفدرالي البرلماني الحديث، شهدت قبل أن تتحول إلى وضعها هذا حرباً ضروساً خاضتها الفرق البريطانية ضد المتمردين الذين أرادوا تحويلها إلى «كوبا آسيوية».

إن ما يجري حالياً صراع إرادات فالإدارة الأميركية تعلن مساعدات ضخمة لتدريب الجيش والشرطة في كل من أفغانستان وباكستان. و«طالبان» تقول إن ذلك مشروع فاشل، خصوصاً الموجه لمن ينشقون عنها.

ولقد تحدثت وزيرة الخارجية الأميركية عن «أزمة ثقة» بين البلدين، أثناء زيارتها لباكستان. ونعتقد أن «أزمة الثقة» عامة وتسود أيضاً بين إيران والغرب، وبين العرب والإسرائيليين وامتداداً إلى الغربيين. ولابد من مواجهة هذه الأزمة العامة جذرياً قبل وضع أي حلول دائمة.

وعلى الرغم من كون الولايات المتحدة هي الأبرز في الصورة، فإن روسيا في طريقها لأن تصبح لاعباً أساسياً في الشأن الخليجي من خلال اهتمامها بالغاز، وتفضيل إيران لها في التخصيب. ولابد من أخذ ذلك بعين الاعتبار، دون مبالغة.

* مفكر من البحرين

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة