إن تسيد ثقافة التقاضي، مردها إلى الرغبة بالإضرار والافتقار للتسامح، فهما العنصران الأكثر تأثيرا في المعادلة، وهما أيضا مؤشران يجب أن يؤخذا بالاعتبار متى ما نظر في أي تغير طرأ على الكويت، لكن الأخطر منهما التذرع بوجود القانون لفرض الرأي على الآخر.

Ad

حسبما جاء في الإحصائية السنوية للمحاكم الكويتية (نشرتها جريدة «القبس» يوم أول من أمس) فإن عدد القضايا المرفوعة ازداد 68 في المئة مقارنة بنظيرتها العام السابق، وتواترية الازدياد هذه تنذر بكارثة ستعصف بالمجتمع في السنوات المقبلة، متى ما استمرت المعدلات بالتصاعد وفقا لنمطية ارتفاعها.

عدد القضايا المنظورة أمام المحاكم مجتمعة يصل إلى 388 ألف قضية، نصيب عام 2008 زاد على 100 ألف قضية بـ730، بينما بلغ عدد القضايا المرفوعة العام الماضي 168312 قضية.

طبيعة القضايا المنظورة أمام القضاء تتنوع ما بين تجاري ومدني وجنائي وإيجارات وأحوال شخصية، وهو ما يفسر العدد المتزايد لارتفاع معدلات الطلاق، وما يلحقها من دعاوى نفقة وحضانة ورؤية وغيرها، وأيضا قضايا التعويضات وملاحقة الكتّاب وأصحاب الرأي.

السؤال: من يتحمل مسؤولية ما يجري؟ ولماذا هذا الارتفاع المخيف في عام واحد؟

صعوبة الإجابة تولدها مرارة السؤال، فقد أكدت تحولنا من مجتمع متسامح إلى مجتمع يضيق بالآخر ولا يقبله، وعليه يريد أفراده الإضرار ببعضهم بحجة القانون، وكذلك تصفية الخصومات و»تأديب» الغرماء وجرهم لسرايا النيابة والمحاكم، فقط لفرض وجهة نظر أو الضيق ذرعا بالرأي الآخر، وهو ما ينبه إلى ضرورة متابعة النقاش الدائر حاليا حول إعادة النظر في بعض القوانين والعقوبات، لأن عدم تطبيقها لا يعني عدم وجودها، وأيضا يحتاج إلى التدقيق في عمل المحامين، فهم جزء من العقدة وليس كلها.

كما يعود ارتفاع عدد القضايا المنظورة إلى نظام فريد لا يوجد سوى في الكويت، ويكمن في «ضباط الدعاوى»، وهو جهاز تابع لوزارة العدل، يتيح لأي كان أن تتولى الدولة التقاضي نيابة عنه مقابل رسم بسيط، وهي آلية ردفية للتوجه إلى مكاتب المحاماة لرفع الدعاوى، وتمكن أي شخص من تكليف الدولة إقامة ومتابعة قضاياه وبرسم يقل كثيرا عن أتعاب مكتب المحاماة، ناهيك عن أنه جهاز تابع للدولة، وقد يعاني مثلما تعانيه بقية أجهزة الدولة من احتمالات سوء الإدارة وعدم كفاءة جزء من طاقمه.

في الآونة الأخيرة تنامت ظواهر تستحق الدراسة، إلى جانب ارتفاع عدد القضايا المنظورة بالمحاكم، ومنها: العنف بين المراهقين، واللجوء إلى القضاء الإداري، وتغيب الأحداث، وجرائم الاعتداء على المال العام ومال الغير، والعرض والسمعة، والخطف، إلى جانب المخدرات والخمور، والتزوير، والنصب والاحتيال، وجميعها تحدث في بلد لما تتعدى بعد كثافته السكانية 3.25 ملايين مواطن ومقيم، ومجتمع تسيطر عليه تيارات دينية متعددة الألوان والأطياف.

إن تسيد ثقافة التقاضي، مردها إلى الرغبة بالإضرار والافتقار للتسامح، فهما العنصران الأكثر تأثيرا في المعادلة، وهما أيضا مؤشران يجب أن يؤخذا بالاعتبار متى ما نظر في أي تغير طرأ على الكويت، لكن الأخطر منهما التذرع بوجود القانون لفرض الرأي على الآخر.