سألني أحد الأصدقاء عن السبب في موقفي «الحاد» حول نيتي منع أبنائي من الانتظام في الدراسة حتى أتبين كيف ستكون عليه الحال بخصوص إنفلونزا الخنازير، والذي يبدو متناقضاً مع ما كتبته منذ فترة بأن: «هذه الإنفلونزا ليست خطيرة جداً على المستوى المرضي، وأنها قابلة للعلاج بسهولة نسبية وعلاجها متوافر». والإجابة هي أن ليس في الأمر أي تناقض، فمازلت أقول إن إنفلونزا الخنازير (مع علمي بأن هذا ليس هو الاسم الصحيح علمياً)، كالإنفلونزا العادية من حيث الخطورة، ومن حيث وسائل العلاج، لكن الفارق أنها مرض جديد ولا يوجد عند الناس مناعة له كالإنفلونزا العادية، وبالتالي فإن انتشاره سريع، وهنا تكمن المشكلة.

Ad

مشكلة الانتشار السريع للمرض، أن أعداد المصابين ستفوق القدرات الاستيعابية للخدمات الصحية، خصوصا إن لم تكن هذه الخدمات على الهيئة المطلوبة أساساً كما هو وضعنا في الكويت، لاسيما إذا كان المرض يحمل هذا «التابو» المقرف والمخيف والذي ساهم الإعلام في صناعته فجعل المرض أشبه بالطاعون، الأمر الذي سيجعل الناس تهرع إلى المستشفيات مما يضغط قدراتها أكثر، وهو ما لم يكونوا ليفعلوه دوماً لو علموا بإصابتهم بالإنفلونزا العادية.

أنا أعلم أن الغرب لم يقفل مدارسه، وأن النصيحة الواردة من مراكز مكافحة الأوبئة والأمراض العالمية لاتزال تعارض إغلاق المدارس، لكنني أدرك في المقابل أن لدى هذه المجتمعات الغربية، وأطقم مدارسها الثقافة اللازمة للتعامل مع فلسفات «الوباء»، و»العدوى»، و»الوقاية»، ومع ذلك، فقد أعلن وزير التعليم الفرنسي منذ أيام في لقاء مع صحيفة «لو فيغارو» الفرنسية، وهو ما لم تتحدث عنه جهاتنا، بأن التوجه إلى إغلاق المدارس الفرنسية كلها قائم مع تطور انتشار المرض خلال الفترة القادمة كخطة مساندة لإجراءات الوقاية الصحية الحالية للحد من انتشار العدوى.

هذا في الغرب وفي فرنسا، أما من ناحيتنا، وبالنظر إلى حالتنا المجتمعية، والتي هي نتاج سنوات طويلة من التدهور، فأعلم بأنه لا ثقافتنا المجتمعية ولا حكومتنا ولا أطقم مدارسنا مهيأة للتعامل مع الأمر، ولعلي أذكِّركم كدليل على انعدام ثقافة الصحة والوقاية والإسعاف الأولي في مجتمعنا، بكيف يتعامل الجمهور مع إصابات الحوادث المرورية في الشوارع، وكذلك بحادثة الفتاة التي نشرت الصحف أنها اختنقت بقطعة حلوى منذ فترة في إحدى المدارس في حين وقفت مدرستها على رأسها كالبلهاء دون القيام بأي شيء من مبادئ الإسعافات الأولية حتى فارقت الفتاة الحياة!

لذا، ونظراً لأن الوضع حرج، والوقت ضيق ولا مجال لتغيير الثقافات، ولا للادعاء بأننا على استعداد للقيام بدورنا المفترض في الوقاية من المرض والتعامل معه، فأنا أشك بأن وزارتي الصحة والتربية والمجتمع عموماً، على استعداد كافٍ للتعامل مع الفترة القادمة، ولذلك فقد اخترت أن أجنب أبنائي المشاركة في هذه المعمعة المتوقعة، وهذا هو اختياري الشخصي، ومن شاء فليفعل مثلي ومن لا يشاء فله أن يرسل أولاده إلى المدرسة، ولوزيرة التربية أن تصر إصراراً وأن تلح إلحاحاً على رفضها إغلاق المدارس، «وكل واحد ينام على الجنب اللي يريحه» ويقوم في الصباح ليأخذ نصيبه، وبالسلامة إن شاء الله!

***

صديق مشاكس أرسل يقول لماذا لا تقول للناس بألّا يذهبوا إلى صلاة التراويح حيث الزحمة أيضاً، واحتمالات نقل العدوى واردة؟ وبطبيعة الحال، وبعيدا عن تحويل الموضوع إلى مشاكسة دينية، فإجابتي بسيطة جداً، وهي أني فعلا منعت أولادي أخيراً من مرافقتي إلى صلاة التراويح خوفاً من هذه الجزئية، ونصيحتي الطبية لكل من هو في حالة صحية معتلة، أو في المراحل العمرية المبكرة كالأطفال أو المتأخرة كالشيوخ والعجائز، أن يبتعد عن الأماكن المكتظة بالناس حتى يقي نفسه من العدوى، سواء في صلاة التراويح أو الأسواق أو غيرها. وأظن أن فتاوى بعض العلماء التي رأت عدم إجازة الحج والعمرة للأطفال والشيوخ هذا العام بسبب إنفلونزا الخنازير هي في السياق نفسه.

***

فزورة خنازيرية: ما الفارق «العلمي» من حيث العمر والصحة والمناعة ما بين أطفال «رياض الأطفال» وأطفال «الابتدائية»، حتى تقوم وزارة التربية بتأجيل الدراسة لأطفال «رياض الأطفال» بدعوى وقايتهم من إنفلونزا الخنازير، وعدم تأجيلها لأطفال الابتدائية؟! ولماذا كان التأجيل لطلبة المدارس الحكومية فقط، هل مناعة طلبة المدارس الخاصة من نوع خاص أيضاً؟! وحدوه! ورمضان كريم يا مولانا!