زحمة

نشر في 19-07-2010
آخر تحديث 19-07-2010 | 00:00
 أ.د. غانم النجار أتمنى ألا أكون مبالغاً إن عبرت عن شعوري بأن الأيام الأخيرة تشهد ازدحاماً مرورياً غير عادي، يحدث ذلك تقريباً في كل الأوقات، وتقريباً في كل الطرق، كلما حاولت أن أجد طريقاً بديلاً وجدته مزدحماً، فلم أفهم ما يحدث. اتصلت بأحد الأصدقاء القدامى الذين عملوا بالمرور، فكانت إجاباته بليدة تقليدية لم يعطني تفسيراً منطقياً.

جرّتني الذاكرة إلى أيام الغزو عندما قررنا - نحن الصامدين - رفض أوامر الغزاة بتبديل اللوحات المعدنية للسيارات، لتصبح «عراق» بدلاً من «كويت»، وكتبنا في جريدتنا السرية «الصمود الشعبي» التي كنا نصدرها حينذاك مطالبين إخوتنا الصامدين بعدم تغيير «نمر» السيارات، واقترحنا أن يقوم كل «فريج» بتغيير «نمرة» سيارة واحدة، لاستخدامها في الحالات الاضطرارية، وكانت الاستجابة مُذهلة، وخفت حركة السير الخفيفة أصلاً وتوجهنا بسرعة إلى استخدام «الغواري» أو العجلات، وتزاحم الناس حول بيت البعيجان وبيت الشواف في ضاحية عبدالله السالم للحصول على العجلات، إذ كان لديهما مخزون جيد منها، وشيئاً فشيئاً تحولنا إلى صين صغيرة من كثرة العجلات في الشوارع، وبدأت مصطلحاتنا تتغير فبدلاً من الحديث عن البنزين والسايد بريك أصبحنا نتكلم عن السبانة والرقعة والبمب، إذ صار مركوبنا الرئيسي ووسيلة تواصلنا هو العجلة.

ولا أنسى بالطبع أنه حين اعتُقلنا وتم أسرنا أنا والصديق سعود العنزي كنا في طريقنا إلى الرقعي على عجلتينا، وتم حشرنا وعجلتينا في سيارة صغيرة من مخفر الرابية إلى سجن الأحداث فسجن بوصخير شمال البصرة.

ويبدو أن سعود «أبولولو» كان مُصرّاً على استعادة العجلة، فعاد بعد أن عُدنا من الأسر إلى مخفر الرابية ليسأل العريف الكويتي بعد التحرير عن العجلة، ولا داعي لتوضيح أنها لم تكن موجودة، والحكاية طويلة ربما نرويها في مناسبة أخرى.

سرحت بهذه الفكرة، وأنا متسمّر بسيارتي في الزحمة اليومية، فحمدت الله على الزحمة فهي خير من الغزو، وحزنت على الحالة التي وصلنا إليها، والتي دفعتني إلى التفكير في الغزو وانسيابية الطرق.

ربما كان من فوائد التحول إلى العجلات والتخفيف من استخدام السيارات أن تلوث الهواء أصبح أقل، وهو أمر إيجابي، إلا أن الغزاة أبوا إلا أن يلوثوا صفاء السماء فأحرقوا آبار النفط فزادوا التلوث تلوثاً وانهمرت علينا الأمطار الحمضية.

الحقيقة هي أنني لم أجد تفسيراً منطقياً للزحمة المرورية المزعجة، وحتى أحصل على ذلك التفسير، ومن ثم إيجاد حل لتلك الزحمة اللعينة ستطاردني أفكار المساحات الواسعة، وحرية الحركة والسماء الصافية. 

back to top