ارتبط تطور الإنسان بقدرته على التخطيط البعيد الأمد وبمدى محافظته على توازن بيئته بشكل عام، فالإنسان البدائي الذي اعتمد على الجمع والالتقاط انتبه لتغير المناخ وطبيعة النباتات والثمار المتوافرة في كل فصل، فتعلم مع الوقت كيف يخزن ما يجمعه ويحافظ عليه، واستوعب أهمية الماء النظيف له، وفهم أهمية الكائنات الحية الأخرى- من الحشرات إلى الثديات المفترسة- في بقائه واستمراره لدرجة اتخاذه بعضها كآلهة، وتطورت بعد ذلك المجتمعات بحسب قدرتها على التأقلم مع المناخ الذي تكونت فيه وفي دقة تخطيطها لتغيراته، وحسب نجاحها في المحافظة على توازن احتياجاتها بعناصر البيئة الأخرى.

Ad

والمجتمعات التي فشلت بالتخطيط أو المحافظة على التوازن البيئي اندثرت أو بقيت متخلفة مقارنة بأقرانها، حتى في عصرنا هذا نجد من أهم معالم العالم الثالث التلوث وضعف أو غياب التخطيط، ونرى مدنا كبيرة في الدول الصناعية فقدت رونقها وهجرت بسبب تغلب المصانع وفضلاتها على التوازن البيئي فتسمم جوها ومياهها وأصبحت غير صالحة للإنسان ولا الحيوان.

الكويت- ولله الحمد- اجتمع فيها الاثنان، فنحن- كمجتمع من أصول صحراوية- لم نعتد ولم نتعلم التخطيط، فلابد أن يصيبنا الوباء لنستوعب أننا غير مجهزين طبيا وإداريا، ونحتاج انقطاع الكهرباء والماء لنعرف أننا تخطينا الطاقة الاستيعابية لمحطاتنا، وسننتظر لينضب البترول لندفع ضريبة تجاهلنا تنويع مصادر الدخل.

أما البيئة فلا ارتباط لها بأي من قراراتنا الاجتماعية أو الشخصية رغم أن لنا دورا رئيسا في اختلال التوازن البيئي العالمي الذي يؤثر فينا جميعا بشكل مباشر أو غير مباشر، فنحن دولة منتجة ومصدرة للبترول العامل الأكبر في الاحتباس الحراري العالمي دون أي استثمار يذكر في إدارة مخاطر وأضرار منتجاتنا، ونحن من أكبر الدول المستهلكة للمواد المصنعة دون أي وعي أو ضمير بيئي. في حين نستغل مواردنا الطبيعية الشحيحة وكأنها لا تنضب، ونبني مدننا على المواطن الطبيعية للحيوانات دون أي وعي بأثر ذلك على حياتنا ومستقبل أبنائنا.

وآثار هذا الإهمال قصيرة الأمد يعانيها كل بيت، فكلنا نعاني بسبب تغير المناخ من حيث ارتفاع درجة الحرارة وازدياد فترات الغبار وشح الأمطار، وجميعنا يعاني ارتفاع أمراض الحساسية والمناعة، ولا يخفى على أحد ازدياد نسبة أمراض السرطان وتشوهات الأجنة والمواليد، أما آثاره البعيدة الأمد فهي تهدد وجود الكرة الأرضية بأكملها وبقاءنا كجنس بشري، ورغم ذلك لا أحد يتحمل مسؤولية إيقاف عجلة هذا الدمار رغم سهولة الحلول وبساطتها.

الاعتداء الأخير السافر على البحر نتاج خطير لعدم اهتمامنا بالتخطيط والمتابعة، ويشكل حلقة خطيرة من مسلسل الاعتداء المنظم على توازن بيئتنا، ولابد أن يدفع الجناة وراء هذا الاعتداء الثمن ولابد أن يتوقف هذا المسلسل الكئيب الذي سيكتب نهايتنا كدولة وكمجتمع.

 

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء