الشعب الإيراني بين حصارين

نشر في 21-06-2010
آخر تحديث 21-06-2010 | 00:01
 د. عبدالحميد الأنصاري الشعب الإيراني، شعب ذو حضارة عريقة ممتدة في التاريخ، وقد أنعم الله على إيران بكل الموارد والثروات، وحباها بالثروة البترولية التي تكفيها مئات السنين، وعندها من احتياطي الغاز ما يؤمن لها احتياجاتها لمئات السنين الأخرى، أما الثروة الزراعية فقلما نجد محصولاً لا تنتجه إيران بسبب تنوع مناخاتها، والثروة السمكية هائلة بسبب موقع إيران الاستراتيجي المطل على الخليج والمحيط وبحر قزوين، حتى "الكافيار" تنتجه إيران كما تمتلك ثروة حيوانية متنوعة وتتمتع بموقع استرايجي مهم، فضلاً عن الثروة المائية المتمثلة في العديد من الأنهار التي توفر لها فائضاً مائياً في الوقت الذي تضطر فيه الدول الخليجية إلى تكرير مياه الخليج.

 الشعب الإيراني أعظم ثروة إيران، فهو شعب حيوي ومتعلم وطموح، والحجم السكاني نموذجي للبناء والتنمية ولا يشكل عبئاً على خطط التنمية، كما في الدول ذات الفائض السكاني.

 خلاصة الكلام أن الله سبحانه وتعالى خص الشعب الإيراني وأعطاه من الموارد والثروات الهائلة كما لم يعط شعباً آخر من شعوب المعمورة، لكن النعم والخيرات لا تكتمل، ففي مقابل هذه الثروات الممنوحة للإيرانيين لم يرزقهم الله بإدارة سياسية تحسن التصرف في هذه الموارد بما يعود بالنفع عليهم.

 نعم خص الله إيران بكل ما من شأنه أن يجعلها تصبح دولة عظيمة الشأن إلا شيئاً واحداً!! حكومة تعرف كيف تدير موارد وطاقات إيران وتستثمرها لمصلحتها... أولا: الشعب الإيراني محروم من التمتع بثروات بلاده كبقية شعوب العالم التي تنعم بها، ويرى المواطن الإيراني جيرانه، أهل الخليج ينعمون بخيرات بلادهم بينما هو يعاني أشكالاً من الحرمان، ويشاهد الشعب الإيراني ثروات بلاده تتبدد في الخارج على شراء ولاء جماعات دينية وميليشيات مسلحة تعادي الأنظمة العربية وتريد الانفصال والتقسيم، ويرى الإيرانيون الموارد الهائلة وهي تهدر في إقامة ترسانة حربية لا نفع لها، وفي إقامة سلسلة من المفاعلات النووية التي جلبت العقوبات الاقتصادية عليهم، ويتساءلون: في سبيل ماذا تهدر المليارات ويجوع الشعب؟ وما حاجة إيران إلى النووي حتى لو كان سلمياً؟! دولة عندها من مصادر الطاقة الرخيصة ما يغنيها عن النووي ومشاكله، لماذا تخاصم المجتمع الدولي وتتسبب في عزلتها وفرض الحصار عليها؟!

بعد (31) سنة من الثورة الإسلامية لم تستطع الحكومات الإيرانية المتعاقبة تحقيق شيء من الأهداف الموعودة، ولم تستطع الثورة الإسلامية بالرغم من كل هذه الثروات والموارد والإمكانات تقديم نموذج تنموي ناجح، لكن ماليزيا التي لا تملك ربع موارد إيران استطاعت في فترة قصيرة أن تحقق إنجازاً تنموياً يشيد به العالم، السؤال: لماذا؟ لأن الإدارة السياسية في ماليزيا إدارة ديمقراطية منفتحة على العالم غير محكومة بإيديولوجية معينة، أما الإدارة السياسية في إيران فهي إدارة الفرد الواحد- الولي الفقيه- المحكوم بإيديولوجية شمولية تغذيها أوهام تآمرية يعتقد بها قادة إيران!

 لقد كان الاقتصاد الإيراني قبل الثورة قوياً وفي وضع أفضل بكثير، وكذلك الصناعات والتقدم في الميادين العلمية وفي الطب كانت إيران مشهورة بأفضل الأطباء الذين يذهب إليهم أهل الخليج للاستشفاء، وكانت بلداً سياحياً يستقطب السياح من كل مكان، أين هؤلاء الأطباء الكبار اليوم؟ كانت العملة الإيرانية عملة قوية وهي الآن برخص التراب! سيقول المدافعون عن النظام الإيراني، إنهم الأعداء الذين يخططون للقضاء على الثورة، وهذا تبرير فاشل وهو تبرير مستهلك تردده كل النظم الإيديولوجية الفاشلة لأن الأسئلة الأهم: لماذا تتصرفون بما يجلب لكم عداء العالم؟ ولماذا لا تعيشون في حدود دولة طبيعية؟ ولماذا تريدون أن تلعبوا دوراً إقليمياً ودولياً أكبر من قدراتكم؟ وهل كنتم تتوقعون من اللاعبين الكبار أن يدعوكم تتدخلون في شؤون المنطقة من غير أن يتصدوا لمخططاتكم؟ في النهاية، أنتم المسؤولون عن أعمالكم لا الأعداء الذين تتهمونهم، تهرباً من المسؤولية وتغطية على العجز والفشل.

أخيراً ضاق الشعب الإيراني بأوضاعه الخانقة وبحكومته التي لا تقدر عواقب الأمور، فخرج محتجاً ومطالباً بالإصلاح والحرية وإحكام الرقابة على نزاهة الانتخابات، لكن حكومة نجاد المطعون في شرعيتها من قبل قطاع من الشعب، ازدادت تصلباً وعناداً، وتفننت في أساليب القمع السياسي وإعدام المعارضين والتنكيل بهم. ولجأت الحكومة الإيرانية إلى العديد من الإجراءات القمعية لمنع الاحتجاجات وخنق الإيرانيين وكتم أصواتهم حتى لا يصل إلى الإعلام الخارجي، وقد أعلنت لجنة حماية الصحافيين الدولية أن ثلث الصحافيين المعتقلين في العالم هم في سجون إيران التي تعد في المركز الأول في اعتقال الصحافيين والمعارضين بحجة أنهم عملاء، وهي الحجة البالية التي طالما ألصقتها النظم الاستبدادية بدعاة الحرية والإصلاح.

 من كان يصدق أن الثورة التي قامت ضد استبداد الشاه ودكتاتوريته تتحول بعد 3 عقود إلى نظام مستبد، يقمع شعبه ويعدم رموزه لاحتجاج؟ لقد وصل القمع درجة حجب ملايين المواقع عبر الشبكة العنكبوتية، وأصبحت شبكة الإنترنت ضمن منظومة الأعداء المحاربين من قبل الحكومة، وفي الذكرى السنوية الأولى للانتخابات الإيرانية منذ أيام قامت الحكومة بقطع التلفونات والإنترنت ومصادرة الصحف واعتقال 91 شخصا، واعتقلت مديري المواقع الإلكترونية.

 النظام الإيران نظام عقائدي شمولي، ومن طبيعة النظم الشمولية خلق أعداء وهميين لا عمل لهم إلا استهداف إيران، وذلك لتبرير فشلها واستدامة تسلطها، ولأن من يفشل في الداخل يفشل أيضاً في الخارج، والعكس صحيح، فنجاح الداخل يعكس نجاحاً خارجياً، فإن الحكومة الحالية وبسبب عدم تبصرها وتقديرها لتبعات تصرفها الخارجي، فإن أصدقاءها مثل روسيا والصين صوتوا مع قرار مجلس الأمن لفرض العقوبات الجديدة على إيران، وهي عقوبات تختلف عن العقوبات السابقة: حجماً ونوعاً واتساعاً، كانت العقوبات السابقة مفروضه من أميركا وحدها، أما العقوبات الحالية فهي مفروضه من قبل المجتمع الدولي، وقد جاءت العقوبات في توقيت بارز للتذكير بأن الحكومة الإيرانية، وبعد سنة من الانتخابات، لم تفلح في حماية الشعب الإيراني من التداعيات السلبية لهذه العقوبات.

 من لهذا الشعب الذي ضحى في سبيل الثورة؟ حكومته تحاصره في الداخل وتمنعه من التواصل مع الخارج، وتسعى جاهدة لعزله عن العالم، ثم تأتي العقوبات الجديدة لتحكم الحصار عليه، هذا الشعب الأبي الذي لا يستكين للظلم أصبح اليوم يواجه حصارين: الداخل والخارج، في الداخل أصبح الحرس الثوري هو المهيمن على معظم القطاعات الاقتصادية بما فيها قطاع البترول.

 ووصلت عسكرة المجتمع درجة أن الحرس الثوري هو المشرف اليوم على البرنامج النووي، وكان هذا تصرفاً غير سليم لأن المجتمع الدولي ازداد اقتناعاً بعدم سلمية البرنامج النووي، إذ تساءل الجميع: لو كان البرنامج النووي الإيراني سلمياً كما تقول إيران فما علاقة العسكر بالبرنامج؟

فقد حاولت إيران عبر سلسلة من المراوغات، التغطية على البرنامج، ولعبت على كل الحبال لخداع المجتمع الدولي، بدءاً من "دبلوماسية المراوغة" والتظاهر بالموافقة على المفاوضات كسباً للوقت، وقبلت الدول الكبرى أن تفاوض إيران، وأن تقدم لها عروضاً مغرية تنقل إيران من وضعها البائس إلى وضع أفضل، لكن إيران إذ تتظاهر بالقبول المبدئي للمطالب الدولية فسرعان ما تنكص على عقبيها.

 وهكذا طالت اللعبة، قبول ثم رفض ثم مطالبة بالتفاوض، ليعقبها قبول فرفض، ثم كانت وساطة اللحظة الأخيرة عبر الوساطة التركية البرازيلية، وكان الاتفاق على التخصيب الخارجي، ولم يجف حبر الاتفاق حتى أعلنت إيران أنها ستواصل التخصيب في أرضها بنسبة %20 مما جعل الاتفاق بلا معنى، بل دفع مجلس الأمن للإسراع في فرض العقوبات مع استبقاء باب التفاوض مفتوحاً عبر أسلوب (الجزرة والعصا).

 قد تستطيع إيران التحايل على العقوبات عبر الأساليب الملتوية، ولكن التكلفة ستكون باهظة والشعب الإيراني ستزداد معاناته وعذاباته وستتصاعد أوضاعه سوءاً، أعان الله هذا الشعب الأبي على الحصارين: حصار الداخل الظالم وحصار الخارج الغاشم.  

 *كاتب قطري

back to top