أوباما يقلّص ولايته الرئاسية
يتحدث أوباما بلا انقطاع عن أي موضوع عملي، وقد أُجريت معه مقابلة حول كرة السلّة في الفاصل بين شوطي مباراة كرة سلة، قلّل أوباما بذلك من قيمة المقابلات "الحصرية" مع الرؤساء عبر إعطاء الكثير منها، فهو حاضر بشكل كلي، ولا يكف عن الكلام.
أمضى الرئيس أوباما سبع ساعات الأسبوع الفائت وهو يتصرّف كرئيس لجنة وليس كرئيس للبلاد، وعوضاً عن ترؤس «قمة» الرعاية الصحية التي بثتها شاشات التلفزة الوطنية وضمت أعضاء ديمقراطيين وجمهوريين من الكونغرس، كان أوباما مجرد مشارك، فعزز نفوذ الديمقراطيين ورد على تصريحات الجمهوريين بنفسه. تحدث دون انقطاع أكثر من أي شخص آخر وعلى مدى كامل الساعتين، وحين ختم أوباما حديثه المطول، سلطت آلات التصوير التلفزيونية عدساتها على مجموعة نعسة وضجرة من أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب، ولاسيما الجمهوريين منهم. لعل أوباما تصرّف خلال ولايته الرئاسية كمشرّع فحسب، لكنني أظن بأن سلوكه في القمة يجيب عن سؤال منفصل يطرح نفسه منذ أن انتُخب رئيساً منذ أكثر من 15 شهراً. هل أوباما هو فرانكلين رزوفلت الجديد؟ الجواب لا.
لو كان فرانكلين ديلانو روزفلت الرئيس اليوم، لما انعقدت القمة أبداً، ولأقر مسبقاً الإصلاح الليبرالي في نظام الرعاية الصحية باعتباره الأولوية العاجلة على أجندته. في المقابل شكلت القمة، بالنسبة إلى أوباما، محاولة أخيرة لإنعاش قدرته المحتضرة على التشريع، لكنه سيفشل على الأغلب.يُعزى السبب على الأرجح إلى الفرق الشاسع بين روزفلت وأوباما. تولّى الأول إدارة البيت الأبيض على عكس الأخير. بحسب ما كتب جون يو في كتابه الجديد حول السلطة الرئاسية Crisis and Command (الأزمات والقيادة): «أصبح فرانكلين روزفلت أبا الرئاسة الحديثة بنقله منصب الرئيس إلى صميم العالم السياسي الأميركي. لقد قلبت ثورة روزفلت جذرياً ميزان القوى بين فروع الحكومة الثلاثة». في المقابل، أضعف أوباما رئاسته وعزز قوة الكونغرس، وهو تغيير في الاتجاه المعاكس. من جهته، وضع روزفلت يده على السلطة التشريعية. فقد تمخضت القوانين التي أقرها الكونغرس في أيامه المئة الأولى ولاحقاً عن إدارة روزفلت وصادق عليها الكونغرس بطريقة انعكاسية. لذلك لا عجب أننا نجهل على الأرجح من هما هنري رايني وجو روبنسون. كانا مسؤولين مجرّدين من السلطة يصادقان على القوانين بشكل روتيني، رايني بصفته رئيس مجلس النواب، وروبنسون بصفته زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ. لكن رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي وزعيم الأغلبية هاري ريد، في عهد أوباما، قوتان نافذتان. فقد أُوكلت إليهما وإلى زملائهما مهمة صياغة القوانين، كتلك المتعلقة بالحوافز الاقتصادية، والرعاية الصحية، ومشروع الحد الأعلى والاتجار بالانبعاثات، والمخصصات الشاملة. بتعبير أكثر حدّةً، تخلّى أوباما عن عرشه بينما حكم فرانكلين روزفلت كملك (على الأقل في أول عام له في البيت الأبيض).نجحت استراتيجية روزفلت على عكس تلك التي اعتمدها أوباما. أُقرّت أجندة الأول على الرغم من أن المحكمة العليا أبطلت لاحقاً أجزاءً كبيرة منها، وفي المقابل لم تُقر أولويات أوباما العاجلة، باستثناء رزمة الحوافز، ومضى روزفلت في عامي 1935 و1936 لإقرار ما سُمي بالاتفاق الجديد الثاني (الأمن الاجتماعي، وقانون علاقات العمل الوطني)، فيما يبدو مستقبل أوباما أقل إشراقاً.من الواضح أن روزفلت اعتمد رؤية طموحة وفكرة أكثر توسّعاً عن الرئاسة مقارنةً بأوباما، فحين سمعت للمرة الأولى قصة أن أوباما طلب من الديمقراطيين في الكونغرس صياغة القوانين وأنه سيروّج لها، ظننت أنها رواية عارية عن الصحة. لكنني واثق اليوم من أنها صحيحة، لأن أوباما يرى على ما يبدو أن قوة الرئاسة تكمن في اللهجة الخطابية فحسب. يُذكَر أن مظهرين ملفتين في أسلوب روزفلت الشعبي لم يستنسخهما أوباما، حتى أنه لم يقترب منهما. ذكر المؤرّخ الرئاسي فريد غرينشتاين في كتابهThe Presidential Difference (الاختلاف الرئاسي): «بخلاف الرؤساء الذين يغدقون على الأمة بالكلمات، اقتصد روزفلت في حواراته المُذاعة». فقد أعطى أربع مقابلات في منزله في عامه الأول من ثم قلّل العدد لاحقاً. وفي رسالة أتى غرينشتاين على ذكرها، قال فرانكلين روزفلت إن «نفسية الجمهور لا يمكن أن تتكيف لفترات زمنية طويلة مع تكرار مستمر لوتيرة عالية في الخطابات». في المقابل، يتحدث أوباما بلا انقطاع عن أي موضوع عملي. أُجريت معه مقابلة حول كرة السلّة في الفاصل بين شوطين لمباراة كرة السلة الأخيرة بين ديوك وجورج تاون. قلّل أوباما بذلك من قيمة المقابلات «الحصرية» مع الرؤساء عبر إعطاء الكثير منها. فهو حاضر بشكل كلي، ولا يكف عن الكلام. وهذا ما أفقده ارتباطه مع ملايين الأميركيين الذين تجاهلوه، فقد أثار رد فعل سياسي سلبي، بينما لم يولّد فرانكلين مثل رد الفعل هذا إلى أن انتُخب لولاية ثانية.فضلاً عن ذلك، تحيط هالة من الغموض بفرانكلين روزفلت الإنسان. كتب غرينشتاين: «كان الإنسان الذي يتوارى خلف هذا الأسلوب بمنزلة لغز»، وهذا ما عزّز جاذبيته ونفوذه، بينما يبدو أوباما شفافاً نسبياً ويتمتع بسطوة أقل. فحين يحاول الترويج لصفقة على العلن أو تهديد خصم، وقد اختبر الأمران في قمة الأسبوع الفائت، يتصرّف كسيناتور أو رئيس يفرض الأوامر. لكن ما يستحق عليه أوباما التقدير عدم ادعائه أنه التجسيد الحديث لروزفلت، ففي حفل لجمع التبرعات أُقيم العام الماضي، قال إنه «سينافس في الأشهر الأربعة الأولى من ولايته أي إدارة سابقة منذ عهد روزفلت». وهكذا أعتقته كلمة «منذ» من اللوم، يُشار إلى أن مسألة مقارنته بروزفلت أُثيرت في معظم الأحيان من قبل ليبراليين ودودين في وسائل الإعلام.إنها مقارنة مجحفة، إذ يستحيل أن يوجد مثيل لروزفلت الذي اشتهر بفرضه تغييراً ليبرالياً على الولايات المتحدة، لكن أوباما حاول ونجح في مجال واحد مهم. فعلى غرار روزفلت، وسّع حجم الحكومة الفدرالية ونطاقها، وإن أُقرّت القوانين الخاصة بمشروع الحد الأعلى والاتجار بالانبعاثات، فضلاً عن القدرة على الاستحواذ على أي مؤسسة مالية قد يشكّل انهيارها «خطراً شاملاً» على الاقتصاد، سيضع أوباما نفسه في منزلة روزفلت كونه عزز نفوذ البيت الأبيض. لكنه لم يحقق ذلك بعد.علاوةً على ذلك، أوقع أوباما نفسه في متاعب عبر اتباعه مثالاً آخر من أمثلة روزفلت. ظنّ هذا الأخير أن الإنفاق الحكومي قد يحفّز الانتعاش الاقتصادي، لكن حدث العكس. وأعاقت زيادته التنظيمات والضرائب النمو الاقتصادي وعملية تأمين الوظائف. هذا ما حدث مع أوباما أيضاً، فقد اتبع السياسات عينها، وحصل بالتالي على النتائج عينها، إلى ذلك يجهل لمَ تراجع عدد الوظائف بمعدل أربعة ملايين في البلاد بعد مضي عام على ولايته الرئاسية. من جهتهم، يشدد النقّاد الليبراليون مثل عالم الاقتصاد بول كروغمان على أن رزمة الحوافز التي أقرها روزفلت لم تكن كافية كما رزمة أوباما، ويعتقد المحافظون في المقابل أن سياسات أوباما خاطئة، وما ينجح فيه هو التخفيضات الشاملة في الضرائب المفروضة على الأفراد والشركات، لكن أوباما قصّر في كلتا الحالتين.بالنسبة إلى أوباما، سيتجلّى التفاوت الأكثر إيلاماً بينه وبين روزفلت على الأرجح في نوفمبر، فبعد الانتصار الساحق للديمقراطيين في عام 1932، فاز هؤلاء بالمزيد من المقاعد في الكونغرس في عام 1934. لذلك لا يسع أوباما سوى أن يحلم بمثل هذه النتيجة في انتخابات الكونغرس لمنتصف الولاية هذا العام.Fred Barnes