يخفق كوشنير مرة أخرى في فهمه لمجريات الأمور في بلادنا العربية والإسلامية، أو أنه يكشف ما يحاول إضماره بين خلجات قلبه عبر فلتات لسانه عن حقيقة دعمه للكيان الصهيوني وكراهيته للعرب والمسلمين، لاسيما الفلسطينيين منهم، وهم أكثر الناس تعرضا للظلم من قبل حلفائه الإسرائيليين.

Ad

وكوشنير هذا للأسف الشديد ليس استثناء بين وزراء خارجية أوروبا ومسؤوليها عموما، ولا بالطبع عموم المسؤولين الأميركيين بجمهورييهم وديمقراطييهم لكنه الأكثر فجاجة بينهم، فعندما يقول إن «حزب الله» اللبناني إنما يحضّر لحرب ما ضد إسرائيل لمصلحة إيران، وتحديداً غداة زيارة الحريري إلى باريس، فإنه يريد أن يضرب عدة عصافير بحجر واحد أهمها:

أولا: تبرئة إسرائيل سلفا من مسؤوليتها أمام أي حرب إجرامية جديدة قد تقدم عليها ضد لبنان تحت أي ذريعة كانت.

ثانيا: محاولة النيل من حق المقاومة اللبنانية تجاه أي عدوان محتمل، ووضع أي طرف لبناني يدافع عن هذا الحق في صف المعتدي، وليس المعتدى عليه.

ثالثا: محاولة تسليط الضوء دوليا على سلاح «حزب الله» مجدداً للضغط على حكومة الائتلاف الوطني الحاكم في بيروت لإدراجه كملف أولوي في سياسة الحكومة اللبنانية، بعد أن قرر اللبنانيون ترحيله إلى مؤتمر حوار وطني يتعلق باستراتيجية دفاع وطنية عليا، يتفق عليها اللبنانيون أنفسهم ولا دخل للخارج والأجنبي به لا من قريب ولا من بعيد.

رابعا: إحراج حكومة سعد الحريري في موضوع حاجتها إلى الدعم الدولي لاقتصادها المحلي المنهك والتسليحي لجيشها الوطني، وحشره في ساحة ضيقة ومشبوهة ومكبلة بشروط لا تفضي إلا إلى مزيد من التبعية والإذلال من جهة، وفي إطار مكافحة النهوض الوطني الحيوي للبنان، بمعنى أدق لا دعم مالياً إلا في إطار مزيد من الإفقار للموارد اللبنانية الأساسية وربطها بشبكة الأزمة العالمية، ولا دعم تسليحياً للجيش اللبناني إلا في إطار مكافحة الإرهاب.

خامسا: وحتى تكتمل الصورة التضليلية لابد من وضع التغليف والخداع والكذب المتعمد، لتشويه أنصع صورة للبنان خلال العقود الثلاثة الماضية، لاسيما صورة مقاومته وقوته وتلاحم جيشه وشعبه معها، وذلك ما حاولته إسرائيل طوال العقود الثلاثة الماضية، وفشلت فيه فشلا ذريعا، عبر الدعاية المبتذلة القائلة إن «حزب الله» اللبناني ومقاومته الإسلامية المسلحة ليسا إلا أداة مرتهنة أو بندقية مستأجرة لأغراض وأهداف إيرانية.

ولكن لماذا العودة للزج باسم إيران من جديد في الملف اللبناني؟ سؤال قد يبدو للبعض محيراً وللبعض الآخر مستغرباً، ولكنه قد يكون متفهما ومطلوبا لغيرهم؟!

أولا: كل التقارير المنطلقة من داخل أجهزة المخابرات الإسرائيلية، وآخرها من معهد الأمن القومي الإسرائيلي، يفيد بتخوف ورعب يسودان الكيان الصهيوني من قدرات «حزب الله» الحقيقية للدفاع وصد أي هجوم إسرائيلي محتمل، واعتقادهم شبه الراسخ بأن مثل هكذا مغامرة يمكن أن ينتج عنها تغيير وجه المنطقة حقا كما أعلن الأمين العام لـ«حزب الله» أكثر من مرة.

ثانيا: ثمة تخبط يعيشه المجتمع الغربي الداعم لإسرائيل، وتحديداً أميركا أكثر من غيرها حول أي السيناريوهات الممكنة أو المتاحة لخلط الأوراق في جبهة الممانعة والمقاومة العربية الإسلامية الممتدة من غزة عبر بيروت وصولا إلى دمشق ومن ثم طهران، والتي باتت حلقاتها على تماس مع أوروبا عبر بوابة السلطان العثماني الجديد.

ثالثا: فشل كل سيناريوهات التدخل المباشر وغير المباشر في الملف الإيراني الداخلي من مسرحية الانتخابات الرئاسية غير النزيهة، إلى محاولة تأليب الرأي العام الدولي، أو استحصال إجماع دولي ناهيك عن إقليمي أو عربي ضد إيران حول كذبة الخطر النووي الإيراني.

رابعا: وأخيراً الإفلاس المبكر والفاضح لإدارة أوباما الواعدة للعرب والمسلمين عبر بوابتي تركيا ومصر بالتغيير تجاه المسلمين، حول ما بات يعرف بالسلام العربي الإسرائيلي وحل القضية الفلسطينية، من خلال الإذلال العجيب الذي تلقاه أوباما من قبل عصابة نتنياهو الحاكمة في تل أبيب.

خامسا: كل التقارير الواردة من عواصم صديقة لإيران تفيد بأن ثمة جهوداً خيرة ومثمرة تقوم بها أطراف إقليمية عديدة تفيد بإمكانية عودة العلاقات الطبيعية بين الرياض والقاهرة مع طهران، وعبر البوابة اللبنانية وشخص سعد الحريري، ما يجعل عودة الثلاثي المصري السوري السعودي الشهير تحصيل حاصل أيضا، وهو الأمر الذي يوجع إسرائيل في الصميم ويقض مضاجعها فيما لو تحقق بالفعل.

كل ذلك ربما جعل من ساكن الإليزيه الطامح إلى لعب دور قيصر أوروبا منذ أول يوم دخل فيه لعبة الأمم إلى دعوة وزير خارجيته المستأجر من الاشتراكيين لمهارته في الرقص على حبال السيرك الهوليوودي العالمي، يقوم مرة أخرى بهذا الدور المجاني في محاولة لخلط أوراق اللعبة الإقليمية التي لم تعد تدر حليبا صافياً لواشنطن ولا لحلفائها كما أشرنا، ناهيك عن أنها باتت رادعا جديا للربيبة إسرائيل.

الحل إذن هو في محاولة إشعال نار الفتن المذهبية والطائفية والعرقية من جديد والضرب بقوة على وتر الإيران فوبيا، بعد أن هزموا في معركة الإسلام فوبيا العالمية إلى حد ما.

هذا ما يحاولونه في اليمن اليوم بقوة أيضا، وسيحركونه في العراق بقوة عشية الانتخابات البرلمانية المرتقبة من جديد، وقد بدؤوا بالفعل، وقد يسعون إلى تفجيره في أي ساحة أخرى غير مرتقبة.

فالحذر الحذر من الوقوع في أفخاخ من لا يتمكنون من الإيقاع إلا بالمغفلين، وبعد أن قطعت المنطقة شوطا بعيداً في الاستعداد لمسرح شرق أوسط جديد نحن صانعوه هذه المرة، وهو شرق أوسط من دون إسرائيل، لأنها تستعد هي وسيدتها أميركا لحرب تظن أنها رابحتها هذه المرة، لكنها قد تكون نهاية حروبها بسبب تخبط قيادتها الرعناء.

*الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة