لا يمكن للنفس، في ظل الفاجعة التي ألمت بأهلنا في عرس الجهراء، أن ترغب في الكتابة عن أي شيء آخر، وليس سهلا عليها كذلك أن تكتب عن موضوع كهذا، فأمام فاجعة الموت، وموت الفجاءة بالأخص، تتضاءل كل الكلمات وتتقزم أبلغ المعاني، وعندما يكون الموت حاصدا، فلا يجب أن يقول الإنسان المؤمن إلا إنا لله وإنا إليه راجعون، ولله ما أعطى ولله ما أخذ!

Ad

أدرك تماما كم هي المشاعر ملتهبة، وأعرف أن الألم لا يمكن أن يطاق، وأفهم أن منا من يشعر بغضب يكاد يعصف بالعقول والنهى أو لعله عصف، ولكنني أؤمن بأن الوقت ليس مناسبا لتوجيه الملامة لأحد، ولا للإشارة بأصابع الاتهام لأي طرف كان، ولا يصح البحث عن أكباش فداء تنحر لتهدئة النفوس!

ليس الوقت وقت تحميل الأجواء بعشرات الأسئلة ورشقها نحو الحكومة، والتباري والتسابق للبطولات الزائفة، ونفخ العضلات الكذابة، وليس هو كذلك وقت تتنصل فيه الجهات الحكومية من المسؤولية عبر متحدثيها، وإلقاء كل واحد منهم للملامة على هذا الطرف وذاك!

إن الوقت وقت حداد وصمت وعظة، واستذكار لكم هي الدنيا فانية، ولكم هي قريبة يد القدر من نفوس الخلائق.

نعم، هناك جهات وأطراف مسؤولة متعددة يمكن الإشارة إليها لتحميلها أجزاء مختلفة من الملامة، وهو الأمر الذي لم نكن نرجو اكتشافه بمثل هذه الفاجعة، وكنا نتمنى لو أن المرتبطين به أدركوه قبلها واتخذوا بصدده ما يلزم من تدابير عبر مواقع مسؤوليتهم، مثل البلدان المتحضرة التي تحترم مواطنها الإنسان، وتحترم معايير واشتراطات الأمن والسلامة وتقدسها، وتدرك فعلا معنى أن الوقاية خير من العلاج، تلك البلدان التي لا ترتفع أصوات مسؤوليها ويخرجون من مكاتبهم المكيفة عند الكوارث والفواجع فقط، ولكنها سخرية الفواجع دائما، تأتي ومعها عشرات الدروس والعبر، ولا تقبل لها ثمنا إلا دماء وأشلاء!

اصمتوا جميعا يا ناس... اصمتوا وكفوا عن ضجيجكم الذي أصم آذاننا لشهور طويلة مضت وأنتم غارقون في خلافاتكم ونزاعاتكم وتخبطكم في كل شيء وحول كل شيء، ودعونا على الأقل نحزن بهدوء وحضارة... دعونا ندفن موتانا ونبكيهم، دعوا الأرواح المتألمة تستقر وتهدأ... وبعدها يحين وقت كل شيء آخر!

خالص العزاء لكل أهلنا ممن أصابتهم الفاجعة، وخالص العزاء لكل أهل الكويت على هذا المصاب الجلل، ونسأل الله أن يتغمد موتانا بواسع رحمته، وأن يجعل مثواهم الجنة، وإنا لله وإنا إليه راجعون، وإنا والله لمحزونون!

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء