التفريط في حقول الشمال... مَن نسائل؟!
مشروع حقول الشمال الكويتي هو مشروع مطروح منذ فترة، ومر بفصول كثيرة من الجدل والتشكيك والمناكفات السياسية على مدى السنوات العشر الماضية، ورغم ما طُرح في حينه بشأن ارتباطه بالأمن الوطني وملف العلاقات مع العراق، فإن المشروع لم يَسلم من إقحامه في المنافسة السياسية والمواجهات النيابية-الحكومية التي أدت إلى تجميده، وخسارة البلد لمشروع استراتيجي أصبح الآن في دائرة المساومة مع جار الشمال بعد أن طُرح المشروع على الجانب العراقي للشركات العالمية، للبدء في استغلال الحقول المشتركة على الحدود بين البلدين والتي تشترك في خزان نفطي واحد يشكل احتياطي تلك الحقول جميعاً.
المشروع منذ بداية طرحه في عام 1998 وبعد تداوله سنوات في وزارة النفط ومؤسسة البترول الكويتية، كان كعادة مشاريعنا الكويتية كلها في العقدين الماضيين فرصةً ذهبيةً لـ»سدنة» المال العام لتلقفه وجعله قضية لمريديهم ومناصريهم من ناشطين وكتاب «الموضوع الواحد» الذين لا يكتبون إلا عن قضايا المال العام، رغم أن الكثير منهم لديهم سوابق بالاستفادة من المال العام بطرق غير مشروعة عن طريق وسائل مختلفة منها الحصول على مكافأة ورواتب مقابل أعمال لم يقوموا بها!وكانت محصلة الاستخدام السياسي لـ»مشروع حقول الشمال» المهم والعناد الحكومي في استكمال تقديم بعض الوثائق المطلوبة إلى اللجان البرلمانية، هي صرف النظر عن المشروع، حتى أفقنا قبل فترة على استكمال الجانب العراقي لكل الإجراءات القانونية والفنية المتعلقة بمشروع تطوير حقوله الجنوبية على حدودنا، ومنحها إلى شركات كبرى تقف وراءها حكومات دول عظمى بدأت بالحفر الفعلي، وعلى أعتاب الإنتاج الذي سيضعنا أمام الأمر الواقع في المستقبل عندما نفكر في تطوير الإنتاج في حقولنا الشمالية واقتسام المخزون الاحتياطي النفطي هناك. والآن علينا أن نسأل «سدنة» المال العام والحكومة، مَن سيتحمل هذه الخسارة الوطنية؟ وهل تتساوى مصالح البلاد العليا مع التنافس والعناد وتسجيل النقاط على بعضنا البعض لكسب سياسي محدود وتمرير المصالح؟فلو وضعتم الاعتبارات الوطنية نصب أعينكم، لكان من الممكن أن تصلوا إلى حلول تجعلنا الآن في واقع آخر بالنسبة لحقول الشمال في بلد صغير المساحة ومحدود الموارد بخلاف الثروة النفطية التي تعتبر مورد رزق البلد وسنده الاقتصادي الوحيد، ولمّا أهدرنا أيضاً عشرات الفرص الاستثمارية التي فقدها البلد خلال ربع القرن الماضي!واليوم نتوجه تحديداً إلى «سدنة» المال العام في مجلس الأمة لنسألهم... ألم تكن أحد أسباب مشروع قانون حماية المال العام رقم 1 لسنة 1993، الذي أعده وسهر عليه النائب السابق حمد الجوعان، هو وجود ضمانة لحماية المال العام حتى في غياب البرلمان عن طريق منح أي مواطن الحق في اللجوء إلى القضاء والتبليغ عن سرقات المال العام؟ فلماذا لا تفعلوا ذلك ولترحموا البلد من الاستخدام السياسي لـ»ورقة المال العام» التي صار يستخدمها كل مَن يريد التكسب السياسي، ودغدغة مشاعر الناخبين بالحق أو بالباطل، أو تمرير الصفقات، أو حتى تصفية حساباته مع أي طرف آخر؟كما صارت تلك الورقة عنواناً مبتذلاً يربك الأغلبية التي أصبحت لا تفرق بين الحق والباطل من فرط استخدامها، فضلاً عن أنه في ظل طرحها وتداولها بإسراف تضاعفت سرقات المال العام، وخير دليل على ذلك بلاغ السيد فهد الراشد الأخير للنيابة العامة الذي تناول تجاوزات على المال العام تقدر بمئات الملايين من الدنانير في جهات عدة... فمن نلوم اليوم؟ ومَن نسائل على التفريط في حقوقنا بشأن حقول الشمال؟