تركت زيارة وزير الخارجية المصري أحمد أبوالغيط للبنان انطباعاً لدى القيادات السياسية والحزبية بوجود قرار مصري لتفعيل دور القاهرة في الملفات الخاصة بالوضع في لبنان والمنطقة.

Ad

وبينما كانت المؤشرات تدل على مدى الأشهر القليلة الماضية على أن قضايا لبنان والمنطقة باتت في عهدة التفاهم السوري - السعودي الذي حرصت مصر على البقاء على مسافة منه لتحفظات مصرية عدة عن الأداء السوري، وعن التساهل السعودي مع هذا الأداء، جاءت زيارة أبوالغيط لتشير إلى تغييرٍ ما في السياسة المصرية بشأن التعاطي مع هذا الملف.

ولعل أبرز ما توقَّف عنده المراقبون هو شمول اجتماعات أبوالغيط، رغم أن زيارته لم تستمر إلا ساعات قليلة، قياداتٍ سياسيةً وحزبية بالإضافة إلى المسؤولين الرسميين.

ورأى المراقبون في هذه اللقاءات دلائل على أن الزيارة تتجاوز الإطار التقليدي للعلاقات بين دولتين، في اتجاه استطلاع آراء الفرقاء السياسيين اللبنانيين من التطورات المتعلقة بالوضع اللبناني ومواقف الفرقاء الإقليميين واتجاهات السياسات الإقليمية تجاه الوضع اللبناني، تمهيداً لبلورة موقف مصري جديد من القضايا المطروحة.

وفي اعتقاد المطلعين على زيارة أبوالغيط، فإنها تشكل مقدمة لدخول مصري مباشر على خط العلاقة السورية - السعودية، وإن اختلفت التقديرات بشأن طبيعة هذا الدخول، بين قائل بأن القاهرة ستلتحق بما أُنجِز حتى الآن، إلى حيث وصلت الأمور، وقائل بأن الدخول المصري على خط العلاقات السعودية - السورية سيكون على أسسٍ من شأنها أن تعيد صياغة المسار المعتمد حتى الآن في التعاطي مع الأوضاع في كل من لبنان والعراق وغزة ومع الملف الإيراني.

في المقابل، فإن هناك مَن يراهن على أن الاستطلاع المصري للملف اللبناني يأتي بمعزل عن مسار العلاقات السورية - السعودية، وهو يهدف إلى تعزيز استقلالية التعاطي المصري مع ملفات المنطقة. وفي رأي هؤلاء فإن القاهرة غير راضية تماماً عما تصفه بالتنازلات السعودية المجانية لسورية على مستوى المنطقة، وتعتقد أن مساعدة سورية على تعزيز وضعها التفاوضي مع الغرب يجب أن يكون في مقابل قبولها أن تكون جزءاً من سياسة عربية محورها مصر والمملكة العربية السعودية، لا أن تستدرج القاهرة والرياض إلى السياسات التي تسير فيها دمشق بحيث تصبح سورية هي مَن يرسم السياسات العربية، وترى القاهرة أن دور سورية يجب ألا يتعدى في أقصى الاحتمالات دور الشريك في رسم السياسات الملتحق بالمسار العربي، لا أن يسير في اتجاه التفرد برسم هذه السياسات وإلحاق الفرقاء العرب الآخرين بها.

ويلفت المطلعون إلى أن أبوالغيط نقل إلى المسؤولين اللبنانيين الذين الْتقاهم القراءة المصرية لوضع المنطقة، وتحذيراً من أن بقاء الأمور على ما هي عليه اليوم من تجاهل لتحذيرات القاهرة بشأن مغبة مضي سورية قدماً في اللعب بالأوراق اللبنانية والعراقية والفلسطينية، يعتبر لعباً بالنار يمكن أن يؤدي إلى الهاوية، على نحو يتجاوز تقديرات البعض وتصوراتهم لردات الفعل الإسرائيلية والدولية.