تتكشف مسرحية «حيّال بوطير» للمخرج سليمان البسام عن شخصيات تبدو مألوفة، وجدلية في الوقت ذاته، فشخصية الشيخ «ملفوف» بكل ما يحمل هذا الاسم من أبعاد رمزية، وإشارات دلالية، تتغلغل في بنية المجتمعات الشعبية البسيطة إلى يومنا هذا، على الرغم من أن النص المسرحي الذي أُخذت عنه الفكرة الرئيسية لهذا العمل كتبه موليير لجمهور فرنسي يتناسب وطروحات القرن السابع عشر الميلادي. في حين تبدو مجتمعاتنا العربية وكأنها لم تفارق تلك الحقبة من الزمن.

Ad

في بروفة العرض التي أتيحت لنا مشاهدته يبدو فريق العمل منسجماً، وهو يعد العدة للانتقال إلى مسرح المدينة في بيروت للالتقاء بالجمهور الصيفي هناك. كانت وتيرة العمل تصاعدية بالحد الذي يسمح بتنامي شخصية «ملفوف» واكتمال أبعادها، الأمر الذي يسهل فضح سرّه، وانكشاف أمره. فبينما نجده في بداية العمل يسير بوتيرة منخفضة، ولا يذهب أبعد من تلك المواعظ التي يطلقها، وادعاء مقدرته على العلاج بالرقية، الحيلة التي يقع في فخّها «الجدة» الإنسانة البسيطة المحبة للدين والتقوى، ولكن طموح «ملفوف» لا يتوقف عند هذا الحد بل يذهب الى الادعاء بأنه قادر على فتح أبواب الرزق من خلال «رؤيا» منامية تتعلق بأهل البيت الذي يقيم فيه. وهي الخطوة الأخرى التي تغري «أبوأمين» صاحب مطعم البسكويت ورب الأسرة الذي يريد تطوير تجارته بأي شكل كان.

وبمشيئة الأقدار تتوسع تجارة أبوأمين، الأمر الذي يُصدق «رؤيا» ملفوف، فتتوطد علاقته بالأسرة، وينتقل إلى الإقامة في منزلهم بداعي المرض، وتلقي العلاج. وهكذا تتصاعد دينامية الحدث، ومعها تتطوّر شخصية ملفوف، وحيله، وادعاءاته الدينية، إلى حد يجعل «الجدة» المخدوعة تفكر في تزويجه إحدى بنتيها «دينار» حتى يصبح واحداً من الأسرة. يعارض الأب في بداية الأمر، ولكنه ما إن يرَ تجارته تتوسع بفعل «بركات» ملفوف حتى يقتنع بأمر الزواج، ولكنهما يواجهان صعوبة في إقناع الفتاة المغرمة بابن عمّها.

تساور الشكوك الشاب أمين حول شخصية هذا الرجل «النصاب» ويحاول بشتى الطرق فضح أمره، إلا أنه يواجه بردود قاسية من الجدة، والأب. الأمر الذي يفتح الباب على مصراعيه لاكتمال الخيوط حول شخصية «ملفوف» ومن ثم بلوغه الذروة حين يحاول التقرب من «أم أمين» بداعي الإعجاب، ولواعج الحب، وإغوائها في غرفة نومها، ومن هنا يتكشف للجمهور الجانب القبيح من شخصية هذا الرجل مدعي الدين والورع. ومع اقتراب العمل من نهايته يبدو «ملفوف» غير مكترث من انفضاح أمره، بل هو يعلن تحقق مآربه وأمانيه بالسيطرة على أموال الأسرة. ويذهب إلى أبعد من ذلك حين يُعين «مفتياً» للديار، ومن هنا يقول عبارته الأخيرة «الديرة كلها صارت بجيبي».

يخلو العمل في نسخة «البروفة» التي أتيحت لنا مشاهدتها من مؤثرات الديكور، والأزياء، والإضاءة، إلا أن قراءة المضمون، تتكشف عن عمل كوميدي يمكن تصنيفه ضمن المسرح الثقافي الهادف، الذي لا يخلو هو الآخر من صدام مع الرقابة على اعتبار أنه يقارب أو يتماس مع شخصية مازالت تحتفظ ببعدها المقدس. ولن يكون التفريق بين الدين والانتهازية القائمة على الغيبيات والشعوذة وحده كافياً لافتضاح أمر «ملفوف». فالدولة كلها، بحسب العمل- قائمة على الفتوى ومن ثم تقديس مثل هؤلاء الأشخاص.

قد يكون للأسماء دلالتها الرمزية فلدينا «ملفوف» و»دينار» و»ذهب» «ومسعود» و»أمين» وكلها ذات علاقة بالمادة والانتهازية، باسم الدين التي يتبعها «ملفوف» وهي عملية «لف ودوران» في آخر المطاف إن شئنا النظر من الزاوية الشعبية البسيطة.