ابتهال الخطيب: الحصول على تقنية الغرب يتطلب ممارسة الليبرالية

نشر في 22-04-2010 | 00:01
آخر تحديث 22-04-2010 | 00:01
«الشك فضيلة والأخلاق سبقت الإيمان»
استضاف مركز تنوير بالتعاون مع الجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية د. ابتهال الخطيب في ندوة تحت عنوان "الليبرالية في الإطار الأخلاقي... بين النظرية والتطبيق"، وذلك بحضور مجموعة من الناشطين والناشطات السياسيين، وأدار المحاضرة عبدالوهاب المسلم وأعضاء

«صوت الكويت».

استهلت د. ابتهال الخطيب المحاضرة بالحديث عن مفهوم الليبرالية، مؤكدة أنها ببساطة فكر وفلسفة لا منهاج، كما انها ليست نظاماً ذا قوانين يجب اتباعها، فهي تقوم على مبدأ الحرية مما يكفل حقوق الآخرين وحرياتهم، وقوانين الدولة، مشيرة إلى ان هناك مفهوما خاطئا للحقوق والحريات، فالحقوق كما اشارت اليها الخطيب هي الحماية من الأذى الجسدي والنفسي، الذي يتعرض له الأفراد من جراء ممارستهم لحرياتهم، مؤكدة أنه كلما تطور المجتمع وتقدم قلت كمية الأذى، وذلك من خلال الثقة بمنهج الانسان فردياً ومجتمعياً وقوة الحجة والبينة المبنيتين على التطور المعرفي والثقافي.

لتعرج بعدها إلى نشأة الليبرالية التي تزامنت مع عصر الاصلاح والتنوير الذي بدأ يرى النور من القرن الرابع عشر، فحركة الإصلاح كما اشارت اليها بدأت في أوروبا من المانيا ثم الى ايطاليا، وذلك بتحرك من القسيس مارتن لوثر الذي رفض وصاية الكنيسة الكاثوليكية، وهي التي كانت ذات القوى الدينية الوحيدة المهيمنة على الغرب في ذلك الوقت، والذي اكد بدوره امكان تواصل البشر بالرب مباشرة دون وساطة الكنيسة، وهو من ترجم الانجيل من اللغة اللاتينية الى الانجليزية التي سمحت لعامة الشعب بالتواصل مع الكتاب المقدس دون وسيط، مشيرة إلى عدم السماح لنا بهذا التواصل بالرغم من أنه من أصول الاسلام العلاقة المباشرة بين الانسان وربه، مؤكدة أن الصراع البروستانتي الكاثوليكي كلف أوروبا بحارا من الدماء أدت في النهاية الى ولادة مبدأ الليبرالية كحل انساني يوقف الدماء ويرتقي بالمعرفة والممارسة الدينية، ويحرر الانسان من سلطة أخيه الانسان، واضعاً الإنسان أمام سلطة الهه وضميره وقوانين بلده فقط.

المبدأ الليبرالي

أما المبدأ العلماني فأشارت اليه د. الخطيب باعتباره نتاجا متوارثا وطبيعيا للتطبيق السياسي للفكر الليبرالي، فالعلمانية بحسب ما جاءت به هي اعتماد العلم وتقرير الانسان لمصيره على هذه الأرض، مؤكدة أن الليبرالية وتطبيقها السياسي في العلمانية لا يفصلان الدين عن المجتمع ولكن عن السياسة ومؤسسات الدولة، موضحة أن الليبرالية تقوم على ثلاثة محاور هي تحرير الاقتصاد والسياسة والمعرفة، فالاقتصاد بحسب رأيها يجب ان يتحرر من سلطة الارستقراطية الشريرة والسياسة من سطوة القيادات وديكتاتوريتهم، وذلك بإدخال مبدأ الشعب يحكم الشعب، واخيراً المعرفة بإزاحة مبدأ السلطة المعرفية المطلقة لرجال الدين، مؤكدة أن عقيدة الشك التي يمارسها رجالات الدين عندنا ويرهبوننا بها، هي من افضال الليبرالية التي تكفل بدورها ازاحة الستار الحديدي الثقيل عن العقل، سامحة له بالشك دون تأنيب ضمير، فالشك فضيلة قد تقوم للمزيد من الايمان.

الإنسان طيب

وأوضحت الخطيب أن المبدأ الليبرالي يقوم على مفهوم أن الانسان طيب خيّر بطبعه، ذو طبيعة تنزع للخير والصلاح، لذا في الغالب، اذا ترك البشر أحراراً فإنهم، كما يقول سروش: "سيختارون الطريق الأفضل بطبيعتهم وبمعونة العقل، ولن يكون ثمة لزوم لتعسف الدولة، وقهر السلطة الدينية. وللأخلاق النفعية صلتها الوثيقة بهذه الرؤية الانثروبولوجية"، مشيرة إلى ان البشر بطبيعة الحال ينشدون اللذة والفائدة والمنفعة، ولكن بما هم طيبون وخيرون ومعتدلون، سيكون طلبهم للذة والمنفعة الجماعية على طريق الصواب في غالب الأحيان، وسوف تغدو رعاية المصالح والمنافع العامة مطابقة لرعاية العدالة، مدللة على ذلك بأن الأخلاق سبقت الأديان، فالناس دائماً حاولوا وضع مناهج قيادية أخلاقية لتنظيم شؤون المجتمع، ومن هنا يقال إن الدين "يتمم" مكارم الأخلاق ولا يصنعها، لوجودها فطرياً في أغلبية البشر، وذلك تلبية لنزعة استمرار النوع الذي لا يستقر دون أخلاق. مستطردة حديثها بأن الليبرالية ليس لها موقف محدد من معتقد أو دين، بل هي مظلة فكرية واسعة تتسع للجميع، وكما يقول سروش: "المجتمع الديني هو مجتمع ما بعد الاختيار، وما بعد التمتع بالحق، بينما المجتمع الليبرالي مجتمع يمارس الاختيار والاختبار على طول الخط، فبوسع الفرد أن يختار بضاعته التي يرغب فيها، ويثبت اختياره الفردي ويفرغ منه الى الأبد، غير أن القاعدة والأصل هما مواصلة الاختيار في المجتمع وعدم الغائه. وهذا معناه عدم وجود ديانة رسمية في المجتمع الليبرالي، وبالتالي يتساوى الجميع في حق اختيار الدين الذي يرغبون فيه، بحيث لا يحق لاحد تكليف غيره بدينه.

الخطاب

ولفتت الخطيب إلى أن المشكلة مع الخطاب الديني الحالي في الخطوط الحمراء، وعدم تشجيع النقد والتساؤل فضلاً عن التشكيك، ففي الخطاب الديني كما اشارت الخطيب الجواب أهم من السؤال، وفي المجتمع الليبرالي السؤال بحد ذاته غاية وهدف، مشيرة إلى ان المشكلة في المفهوم الأصلي للدين هو أن التساؤل عبادة، ومن أخطأ له أجر ومن أصاب له أجران، متسائلة: كيف ينحو الخطاب الحالي لمعاقبة من يتساءل ويجتهد ويخطئ كما في وجهة نظر الخطاب؟ بل كيف يرى في التساؤل والتشكك خطيئة؟ وتبقى الفكرة الاخيرة التي يتغنى بها رجالات الدين عندنا هي نتائج الليبرالية من فسق وانحلال على حد تعبيرهم، فهم يستوردون كل الترف الذي توفره الليبرالية دون التفكير في كيفية منشئها، بل واستحالة تجسدها اليوم واقعاً تقنياً وعلمياً دون مبدأ الحرية العظيم، وبرفضهم مبدأ الحرية يعلنون عدم الرغبة في تصنيع نتاجها، لأن الحصول على تقنية الغرب المتطورة في شتى مجالات الحياة يتطلب ممارسة الليبرالية الفكرية والعلمية والاقتصادية والمعرفية.

back to top