وضع مصرفيون تصوراتهم إزاء التحديات الـ10 التي تواجه البنوك الكويتية خلال الفترة المقبلة، والتي تأتي بسبب 10 عثرات وقعت فيها سابقاً، الأمر الذي دفعها إلى القيام بردات فعل عنيفة لمعالجتها أدت إلى تراجع سوق الائتمان.

Ad

دأبت البنوك الكويتية على التقليل من شأن توقعات بتعرضها لانكشافات أو لإعدامها بعض الديون نتيجة تعثرات تمويلية قبل الأزمة، خاصة مع أدائها الممتاز في الأعوام الماضية وتوسعها محلياً وإقليمياً وعالمياً، وتعتمد البنوك في تعزيز ثقتها بعدم تأثرها بهذه الانكشافات على حجم الأصول التي تملكها وتديرها مقابل الديون والقروض المشكوك فيها. ورغم ظلال الأزمة التي ألقت بسلبياتها على القطاع المصرفي فإن البنوك ظلت على ثقتها خاصة مع حجم المخصصات التي اتخذتها مع كل إعلان عن أحد التداعيات الجديدة للأزمة المالية.

وأظهرت نتائج التسعة أشهر الأولى التغير الواضح الذي أصاب هذه البنوك، بسبب المخصصات التي اتخذتها طوال العام الماضي، وهو ما أثر سلباً عليها، ولكن من جانب آخر نجد أن هذه النتائج تعد جيدة مقارنة بنتائج البنوك على مستوى العالم، رغم التحديات الكثيرة التي واجهتها خلال الأزمة مع تباطؤ بعض العوامل الأخرى التي عززت من معدلات نمو البنوك في السابق، أهمها ركود سوق العقار، وظهور بعض القوانين التي عرقلت أنشطتها مثل قانون السكن الخاص، والرهن العقاري، إضافة الى انخفاض أسعار النفط وانخفاض معدلات الائتمان، وهبوط أسعار الأصول، ومع انكماش السوق أصبحت المنافسة أكبر بين البنوك التسعة إضافة إلى البنوك الأجنبية العاملة في الكويت.

وتأتي هذه التحديات التي تواجه البنوك بسبب أخطاء وقعت فيها سابقاً، والتي دفعت البنك المركزي إلى تسجيل عقوبات على بعض البنوك بسبب بعض التجاوزات الائتمانية، وهي التي دفعتها إلى القيام بردات فعل عنيفة لمعالجتها أدت بسوق الائتمان إلى ما هو عليه الآن، ويحدد المصرفيون هذه الأخطاء بـ10 نقاط رئيسية كان أهمها:

1 - التوسع في الإقراض دون ضمانات كافية: تساهلت البنوك في الإقراض مع شركات الاستثمار والعقار خلال السنوات الماضية بالاعتماد على الميزانيات والمركز المالي لهذه الشركات، دون الاعتبار بالضمانات والملاءة المالية لهذه الشركات، وهو ما أوقعها في النهاية في مشكلات تعثر ديون هذه الشركات والدخول في دوامة إعادة جدولتها.

2 - إهمال إدارات المخاطر: سجلت نسبة تكلفة المخاطر (المخصصات / إجمالي الإيرادات) ارتفاعا ملحوظا نتيجة لارتفاع المخصصات، في 2008 و2009 مقابل الأعوام الماضية، ويأتي هذا الارتفاع بسبب عدم الاهتمام بإدارات المخاطر وانخفاض الأداء في بعض هذه الإدارات خاصة في عدم قدرتها على تقدير مخاطر الائتمان الحقيقية للقروض الممنوحة خاصة، ويأتي هذا الأداء الضعيف بسبب تأخر نشأة هذه الإدارات في البنوك الكويتية إلى وقت قريب.

3 - تخبط بعض الإدارات وعدم مواكبتها للأزمة: ظهر واضحاً تخبط واضح في بعض إدارات البنوك في تعاملها مع الأزمة، الأمر الذي أدى إلى وقوع هذه البنوك في مشكلات وتعرضها لانكشافات، وهو ما دفع في النهاية إلى حدوث بعض التغيرات وإعادة الهيكلة في الإدارات العليا والمتوسطة بهذه البنوك.

4 - التوسع في عملياتٍ مع أطراف ذات صلة: توسعت بعض البنوك في عملياتها مع أطرافٍ ذات صلة مثل المساهمين الكبار في البنك أو مع أعضاء مجلس الإدارة أو مع البنوك والشركات التابعة، الأمر الذي جعلهم يحصلون على قروض أو تمويلات أكبر من قدرتهم على الاقتراض.

5 - زيادة المصاريف الإدارية ومصروفات التشغيل: ارتفعت مصروفات التشغيل لدى البنوك خلال السنوات الماضية بشكل كبير، وشملت (رواتب ومكافآت الموظفين ومجلس الإدارة، ومصروفات عمومية وإدارية، والاستهلاكات)، ويرجع هذا الارتفاع إلى توسع البنوك في فترة الرواج في فتح فروع جديدة داخلياً وخارجياً مع زيادة الإنفاق على الموظفين بشكل كبير، ويشير المراقبون إلى أنه كان هناك بعض المبالغة والتجاوز في المكافآت التي تمت خلال سنوات الرواج، والتي لم يشعر بها أحد بسبب الأرباح الكبيرة التي كانت تحققها البنوك في هذه الفترة.

6 - التوسع غير المحسوب في الاستثمارات الخارجية: اندفعت بعض البنوك إلى التوسع الخارجي بشكل كبير وكانت تباهي بها خلال السنوات الماضية، الأمر الذي زاد من مخاطر هذه البنوك مع حدوث الأزمة وانخفاض قيم أصولها الخارجية رغم المؤشرات التي كانت تشير إلى تفاقم أزمة رهن العقار الأميركية إلا أنها لم تقدر حجمها الحقيقي وتأثيراتها السلبية عليها.

7 - التباطؤ في تسييل الرهونات قبل انخفاض قيمتها: تباطأت البنوك في تسييل الأسهم والعقارات المرهونة عند بداية الأزمة، الأمر الذي أدى إلى خسائر كبيرة بسبب انخفاض قيم هذه الرهونات، خاصة أن هناك حدا معينا متفقا عليه يقوم البنك بتسييل الرهونات عند اقتراب سعر الأصل المرهون منه، كما تساهلت بعض البنوك في عملية إعادة تقييم الأصول محل الرهن لديها، والتي كانت تقوم برهنها مقابل منح المستثمرين تمويلات وقروضا، إذ كانت تمنح التمويل لكل المستثمرين مع أخذ الضمانات المعتادة دون التشدد في مقارنة الأصل المرهون لديها بالقيمة السوقية له، خاصة مع الانتفاخ الكبير الذي شهدته الأصول في آخر خمس سنوات قبل الأزمة.

8 - الاعتماد على مصادر الأرباح ذات مخاطرة عالية: حققت البنوك خلال السنوات الماضية أرباحاً قياسية بسبب توسعها في سياسية الاستثمار، التي تقابلها زيادة في المخاطر، ولم تنتبه البنوك إلى خطورة هذا الاتجاه إلا بعد اندلاع مشكلة المشتقات في بنك الخليج.  

9 - عدم الاهتمام بتوطين الكوادر الوطنية المصرفية إلا بعدما طلب منها: وهو ما عرضها إلى مشكلة كبيرة باستقطابها بعض الموظفين الذين ليس لديهم الخبرة الكافية للقيام بالعمل المصرفي، خاصة في الإدارات الفنية والهامة مثل إدارة المخاطر، الأمر الذي دفعها إلى القيام ببعض الأمور المخالفة لتغطية هذا النقص، مثل تسجيل الموظفين المقيمين على شركات تابعة للبنك ومحوهم من سجلاته، الأمر الذي يقلل نسبة الأجانب من البنك ويرفع نسبة العمالة الوطنية.

10 - خلل في العمل الرقابي الداخلي: قام "المركزي" منتصف العام الماضي بإدخال تعديل على معيار كفاية رأس المال (بازل 2)، الخاص بعملية المراجعة الرقابية، للتأكد من عملية التقييم الداخلي لدى البنوك لكفاية رأس المال، كما أصدر أيضاً تعليمات إلى البنوك الإسلامية لتطبيق معايير بازل 2، وتأتي هذه التعديلات بسبب سد الخلل في أساليب العمل الرقابي ومواكبتها المستوى الدولي.

تحديات 2010

ويرى مصرفيون أن البنوك تواجه 10 تحديات رئيسية خلال 2010 إذا استطاعت تجاوزها فقد تخطت جزءاً كبيراً من الأزمة الحالية، وتأتي كالتالي:

1 - حجز مزيد من المخصصات ومواصلة تراجع الأرباح: تراجعت أرباح البنوك في التسعة أشهر الأولى من عام 2009 بشكل كبير مقارنة بأدائها في الأعوام السابقة، ويرجع السبب الرئيسي وراء ذلك في المخصصات التي أخذتها البنوك للتحوط من آثار الأزمة إضافة إلى انكشافات بعض البنوك على المشتقات المالية، وعلى تعثرات بعض المجموعات الخليجية والعالمية مثل مجموعة سعد والقصيبي وقضية مادوف وأزمة دبي، كما تأثرت الأرباح أيضا بتراجع سوق الأسهم والعقار، وستعمد البنوك إلى تخفيض توزيعات أرباحها عن العام الحالي للمحافظة على رؤوس أموالها، تحسباً لأي أزمة طارئة.

2 - احتمال التعثر في استدعاء زيادات رؤوس الأموال المقترحة: تعتزم جميع البنوك زيادة رؤوس أموالها بناء على تعليمات "المركزي"، وقد تواجه البنوك مشكلة في عدم قدرة المساهمين الاكتتاب في هذه الزيادات في ظل شح السيولة الحالي في السوق، وهو ما يهدد بفشل هذه الزيادة وتأجيلها.

3 - انخفاض حجم الأعمال وتقلص الأنشطة في البورصة والعقار: أدت الأزمة إلى تقلص كبير في حجم الأعمال والأنشطة البنكية خاصة المتعلقة بسوق الأوراق المالية والسوق العقاري واللتين تشكلان قناتي الاستثمار الرئيسيتين في الكويت، كما انهارت هذه القطاعات أيضا على المستوى العالمي، وهو ما وضع البنوك في تحدٍّ صعب لاستثمار أموال المودعين، وتعد خطة التنمية التي طرحتها الحكومة خلال الأسبوعين الماضيين كطوق النجاة أمام البنوك للخروج من معضلة تقلص أنشطتها.

4 - المنافسة الشديدة بين البنوك: يشير المصرفيون إلى أن البنوك دخلت في ما بينها معركة لتكسير العظام خلال العام الماضي على الودائع البنكية، وللفوز بالعملاء الذين لديهم ملاءة مالية وضمانات جيدة، والذين أثبتوا قدرتهم على السداد خلال الأزمة، إذ يسعى كل بنك إلى جذب أكبر قيمة ممكنة من الودائع الشخصية التي ستوفر لها السيولة في ظل أزمة الكاش التي يعانيها السوق، إذ تعمد بعض البنوك إلى تخفيض هامش ربحها على القروض للعملاء، مقارنة بالبنوك الأخرى.

5 - هبوط قيم الأصول وانخفاض جودتها: انخفضت أسعار أصول البنوك من عقارات وأسهم خلال الأزمة، وهو ما ظهر في البيانات المالية الفصلية في 2009 من تسجيل لخسائر دفترية بسبب هذا التراجع، كما ارتفع عدد القروض المتعثرة أو التي تواجه صعوبات في السداد، وخاصة من المقيمين الذين فقدوا وظائفهم، إضافة إلى انخفاض قيمة الأسهم المرهونة والضمانات الاخرى، التي يمنحها العملاء للبنوك مقابل القروض، الأمر الذي دفع البنوك إلى أخذ المزيد من المخصصات تحسباً لزيادة محفظة الديون المتعثرة.

6 - الانكشاف على شركات الاستثمار المتعثرة التي تعاني شح السيولة وضعف الملاءة: رغم إعلان شركة غلوبل انتهاء محنتها في إعادة الجدولة واقتراب شركة دار للاستثمار من الخروج، فإن البنوك مازالت على حظرها وتشددها في الإقراض خلال تعاملتها مع شركات الاستثمار، ويظهر ذلك في طلبها مزيد من الضمانات عند تقديم تمويل أو قرض حتى تحمي نفسها مثل أصول مدرة للعوائد أو للتدفقات النقدية، خاصة مع ظهور بعض المؤشرات التي تشير إلى أن إفلاس بعض الشركات ليس بعيداً عن التحقيق.

7 - التشديدات على السيولة وتقلص محفظة الأقراض: شهد العام الماضي توقف البنوك عن عمليات الإقراض بشكل كبير، بالإضافة إلى إحجامها عن إقراض بعضها البعض رغم تخفيض "المركزي" لفائدة الانتربنك أكثر من مرة، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع تكاليف التمويل ونقص في السيولة، وتقلصت محفظة الإقراض بشكل كبير لدى البنوك، والتي أصبحت لا تمنح ائتمانا كبيرا لها إلا عن طريق توجيهات من البنك المركزي بمنحها، خاصة إذا كان الائتمان لمصلحة شركات الاستثمار، حتى ولو كانت مستوافاة لشروط الإقراض.

8 - التعرض لمزيد من انخفاض التقييم الائتماني: انزلقت سمعة المؤسسات والمصارف الكويتية كباقي البنوك في العالم في ظل تداعيات الأزمة وما أثرت به على سوق الائتمان المحلي، خاصة مع مرور الأزمة تلو الأخرى على قطاع البنوك، الأمر الذي دفع مؤسسات التصنيف العالمي إلى تحذير الكويت من احتمال تخفيض تصنيفها الائتماني خلال الفترة المقبلة، وهو ما وضع البنوك أمام مشكلة كبيرة ستكون عائقا لها في المستقبل حتى بعد عبور الأزمة، وستظهر بشكل كبير في التعاملات المصرفية بينها وبين البنوك العالمية.

9 - خفض التكاليف دون الإضرار بأعمال البنوك وقدراتها التنافسية: عمدت البنوك منذ اندلاع الأزمة بالاستغناء عن عدد من موظفيها في القطاعات الهامشية، وكانت أغلبيتهم من الوافدين، وذلك لتحقيق النسبة المطلوبة من العمالة الوطنية في البنك، إضافة إلى تسريحها لعدد من المواطنين، وحاولت هذه البنوك أن يتم ذلك دون أن يتأثر أداء البنك بشكل كبير، وعلى الجانب الآخر تحاول بعض البنوك سد عجز كوادرها في قطاعات معينة باستقطاب مديرين وأصحاب كفاءات جديدة قادرين على إدارة الأزمة، ولجأت البنوك أيضا في ظل الأزمة إلى ميكنة وظائفها لتقليل التكاليف بقدر الإمكان، وهو ما جعلها تستقطب شركات أجنبية لتنفيذ هذه العملية.

10 - تعثر سوق الصكوك والسندات محلياً وعالمياً: توقف إصدار السندات والصكوك بشكل كبير منذ منتصف 2008 حتى الآن محلياً وإقليمياً وعالمياً، خاصة مع تفاقم أزمة دبي العالمية لعدم قدرتها على سداد التزاماتها وما ألقته من ظلال قاتمة على سوق السندات، إضافة إلى أن القوانين والتشريعات المحلية لا تشجع على إصدارها، إذ تقوم البنوك والشركات الإسلامية الكويتية باللجوء إلى البحرين كمحطة لإصدار السندات هروباً من تعنت القوانين المحلية التي تعاملها مثل السندات.

تغير الهيكل الاستثماري

عانت البنوك انخفاض قيمة استثماراتها الخارجية، وهو ما أدى إلى التأني في التوسعات الخارجية، خاصة مع صمود البنوك التي لم تتوسع في تعاملتها بالخارج مقارنة بالبنوك التي توسعت، كما دفعها إلى ضرورة تغير كبير في خريطتها الاستثمارية جغرافياً ومنهجياً، فلم يعد الاستثمار في بعض البلدان أو القطاعات مجزيا كما كان من قبل، وتشير المصادر إلى أن الفترة المقبلة ستشهد قنوات جديدة في الاستثمارات من جانب البنوك، مثل الاعتماد على المشاريع الخدمية التي تدر عوائد تشغيلية أو عقارات في بلدان لم تتأثر بالأزمة.

استمرار الأزمة عالمياً خلال هذا العام

تؤكد التوقعات والتقارير استمرار الأزمة حتى منتصف العام، مع بعض الأمل في انخفاض حدتها خلال الربع الأخير، وهو ما يشير إلى ارتفاع المخاطر وإغلاق الأسواق الخارجية لأبوابها أمام البنوك، الأمر الذي سيجبرها على مواصلة سياساتها التشددية إزاء منح القروض، ويجعلها أكثر تحفظاً في تعاملاتها الخارجية مع  إشادات التقارير بأفضلية بيئة الأعمال الخليجية عن العالمية.