الحرية الأدبية

نشر في 24-01-2010
آخر تحديث 24-01-2010 | 00:01
 ناصر الظفيري يتداول الكتَّاب، وكتَّاب الزوايا اليومية بشكل خاص قضايا النشر الصحافي، ومحاولة تضييق الحريات في ظل نظام ديمقراطي سقفه الأعلى، وهو الدستور، كفل حرية التعبير. ويغيب عن هذه المداولات الذي يتحمل العبء الأكبر فيها كاتب المقال الصحافي، الكاتب الأدبي وكأن الأمر لا يعنيه. فهو لا يرى في القانون انتقاصا من حريته ولا يتضمن القانون تضييقا على فكرته وكأن الأديب يعيش في الجزيرة الزرقاء الصافية، التي لن تتأثر بما يحدث من تضارب التيارات في المحيط الذي تقع فيه.

صحيح أن الكاتب الصحافي واليومي بالذات أكثر تطرقا من سواه للحالة اليومية وما يعتريها من شد وجذب سياسي وربما يقع أكثر من غيره تحت وطأة الانفعال المباشر للحدث مما قد يعرضه لمتاهات قوانين النشر القادمة. ولكن الأكثر دقة أن الأديب قاصا وشاعرا وروائيا وناقدا ومسرحيا هو صاحب الأعمال التى يتجرأ عليها الآخر ويعمل على اثارة الرأي ضدها أكثر من الأعمدة اليومية. والسبب في ذلك هو بقاء العمل الأدبي واستمراره في التداول لفترات زمنية غير محدودة مقارنة بالكتابة الصحافية اليومية. ذلك ما يجعل العمل الأدبي الجاد محاصرا طوال فترة حياته. وهو عرضة لأن يثور ضده أي شخص حتى وان لم يكن مقصودا بعينه.

لقد تعرض أحد كتب ليلى العثمان للمحاكمة والإدانة رغم أنه مجاز وصدر قبل زمن من قراءة أحدهم للكتاب والذي قررـ هكذا كما عنّ له ـ  أن يطالب بتوجيه تهمة سأسميها الكتابة ضد الكاتبة. واليوم لا يخشى الكتاب أن يتعرضوا مرة أخرى لذات الموقف الذي تعرضت له زميلتهم وكأنهم من زمن مختلف ومكان مغاير للمكان الذي وقفت فيه زميلتهم كمتهمة بجريمة والقاضي يسألها "أنت كتبت هذا الكتاب" وكأنه يقول أنت ارتكبت هذا الفعل.

رغم كم الكتابات الهائلة والتى تطالب بإعادة النظر بالقانون ومحاولة البحث عن مساحة أكبر من الحرية وهي أصوات مشكورة لأنها تأتي في وقت يصمت فيه الأدباء والكتاب ورجال المسرح والدراما، وكأن الأمر لا يعنيهم. وأخشى أن يكون الأمر لا يعنيهم فعلا. فمن ينظر الى انتاجنا الأدبي والمسرحي والدرامي يدرك أن القائمين عليه لا يهتمون بالنظر الى قانون المطبوعات والبحث في تأثيره على الحركة الثقافية. فليس لدينا مجلات ثقافية وفلسفية وسياسية مستقلة وكل ما هو متوافر تشرف عليه الحكومة والحكومة لا تخشى مما تشرف عليه هي. وليس لدينا مسرح مشاكس كما اعتدنا في السنوات البهية المنصرمة فمسرحنا مدجن يهتم بتربية الطفل، يعلمه أن ينظف اسنانه قبل أن ينام. وكتاب الدراما يحشدون المشاهد البكائية لابتزاز العجائز والأمهات وهي مشاهد لا علاقة لقانون المطبوعات بها. الشعر في اجازة أصلا ولن يفيق من غيبوته ليكتب شعرا حتى يفيق من غيبوبته ليدافع عن الشعر. ماذا بقي لنا كي ندافع عنه؟ أليس صمتنا عما يدور حولنا دليلا على كل ما ذكرت؟ نحن نعاني ندرة الفعل الأدبي الحقيقي قبل أن نعاني انعدام فكرة الدفاع عن هذا الفعل.

الكتاب الذين يعرفون أن الحرف هو مصدر حياتهم وأساسها هم فقط من يجدون الشجاعة للدفاع عن معنى هذا الحرف. الذين يعملون ويؤمنون بأن عملهم سبيل نحو التغيير الحقيقي هم فقط من يدافعون عن ايمانهم وحتى يفيق الأديب من غفوته وينتبه لما حوله سأضطر الى رفع القبعة لكتاب الزوايا اليومية وأقول لهم "أخجلتونا".

back to top