ليست فاجعة الجهراء... إنها فاجعة دولة!
عشرات العشرات من المقالات كتبت إثر حادثة حريق الجهراء، ومنها ما تناول القضية من زوايا لا يمكن أن تخطر على عقل، كالزميل الذي ألقى باللائمة فيما حصل على حادثة حصول بعض المرتبطين بالحادثة على الجنسية الكويتية، وأنهم كانوا من البدون سابقا!لكن باستثناء أصحاب الشطحات الغريبة من الزملاء ومنهم الزميل أعلاه، فإن الأغلبية العظمى ممن تناولوا الموضوع شرعوا في توجيه أصابع الاتهام إلى مختلف الاتجاهات والقطاعات الحكومية، من داخلية ومرور وإطفاء وصحة وطوارئ وبلدية وشؤون، وغيرها من جهات لا أذكرها، أو إلى هؤلاء جميعا دفعة واحدة!
وبالطبع، يمكن لنا أن نفهم هذه الرغبة لتوزيع الاتهامات في كل الاتجاهات، تحت وطأة هول الفاجعة، ومن الطبيعي أن يتملك الغضب بعض الناس فيجعلهم ينفسون عنه بهذه الطريقة، وأنا وحين أقول هذا فلست أدافع عن هذه الجهات ولا أعفيها من مسؤوليتها، بل أقر بتشاركها جميعا في المسؤولية.إن ما أريد قوله هو أننا في الكويت ومنذ فترة ليست بالقصيرة، توقفنا عن معالجة أي خلل إلا بعد المصائب والفواجع، ولو بحثتم في الذاكرة لما وجدتم أن حكومتنا تحركت يوما في اتجاه تصحيح ومعالجة شيء ما لمجرد أن أصحاب الاختصاص والعارفين بالشأن قد بينوا ضرورة التحرك، أو أنها هرعت لتقويم ومعالجة قطاع من قطاعاتها من باب أن الوقاية خير من العلاج قبل أن يستفحل الخلل، والأمثلة لا تعد ولا تحصى في كل مجال وعلى كل صعيد ومستوى. خذوا مثلا القطاع النفطي وحوادثه المتكررة، والكهرباء والماء ومشكلتهما التي كانت مرصودة منذ سنين، ومشكلة المرور التي لا تزال تتكاثف وتختنق، وأزمة الخطوط الجوية الكويتية التي تنذر بمصيبة، والمشاكل البيئية المسكوت عنها بصمت مريب، وتدهور الخدمات الصحية المستمر، وانتكاس التعليم المتواصل وحوادث المدارس المتكررة، وعدم اتساق مخرجات التعليم مع احتياجات السوق، وارتباك قطاع المواصلات والاتصالات وانعدام خدمة البريد ذات القيمة، وتزايد البطالة المقنعة والوظائف الهامشية، وانتشار العمالة السائبة، وكارثة الاتجار بالإقامات والبشر، ومشكلة البدون التي تركوها حتى ثقلت وأثخنت، وتزايد معدلات الجريمة، والمشاكل المجتمعية التي يصرون على إنكارها كالطائفية والفئوية والعنصرية، وتدهور قطاع الرياضة، وغيرها وغيرها وغيرها!وهذه ليست صورة قاتمة عن الواقع، بل هو وصف مجرد لا أكثر، والحقيقة أنه ليس بغريب أو مخالف للمنطق باعتبار وفرة الموارد المالية، بل هو المنطق بعينه، فحينما تتدهور الدولة سياسيا وإداريا، وينعدم التخطيط والعمل المؤسساتي، وتعلو الفردية وتشيع الشخصانية والمحسوبيات والمصالح الخاصة، سيتسع الخرق على الراقع، وسيعجز المال مهما جرى ضخه عن رتق الثقوب التي ملأت الثوب لأنه تهتك، وهذه هي حالتنا تماما. لا يمكن لمنحنيات التنمية والنجاح أن تسير إلا جنبا إلى جنب، فمن المستحيل أن ترى دولة مزدهرة في القطاع الصحي والتعليمي والثقافي ولكنها متدهورة في القطاع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والرياضي مثلا، فالدول إما أن تزدهر في كل مجال وإما أن تتعثر في كل مجال. صحيح أن الازدهار والتعثر يكونان بأقدار مختلفة، ولكنهما لا يمكن أن يسيرا إلا باتجاه واحد، ولنا في دول العالم في مشارق الأرض ومغاربها عبرة!لهذا لا بد أن ندرك أن الكويت قد وصلت اليوم إلى مستويات الخطر في كل مجال، وعدم وقوع الكوارث والفواجع، ليس راجعا لكفاءة الأداء وعدم وجود الثغرات والأخطاء، إنما إلى لطف الله وقدره.إن الكويت اليوم بحاجة إلى عملية إنقاذ كبيرة قبل أن تصل إلى مرحلة ما يسمى بالدولة الفاشلة (Failed State) وبعدها مرحلة اللاعودة، والإنقاذ لا يمكن إلا بالحل الشامل الذي لا يمكن أن يقوم على المعالجات الجزئية، لذلك فالإشارة إلى قصور وزارة الداخلية أو وزارة الصحة أو الشؤون أو البلدية أو غيرها وتعليق طوق الإخفاق في رقبتها، هي إشارات إلى اعتلالات الأطراف والهوامش، ومهما أنفق وبذل لمعالجتها فسرعان ما سيعاودها السقم، لأن منبع الداء باق دون علاج ولا يزال ينشر المرض! كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء