يعتبر العمل التعاوني من الأعمال الديمقراطية الرائدة التي بدأت الدولة بتطبيقها مع بدايات تشكل الدولة الدستورية الحديثة في بداية ستينيات القرن الماضي (تأسست جمعية كيفان التعاونية كأول جمعية تعاونية رسمية في يوم تاريخي هو يوم إقرار الدستور في 11/11/ 1962)، لكن مع بالغ الأسف فإن العمل التعاوني الرائد الذي كانت الكويت سباقة في تبنيه ظل، كما هي حال الكثير من المؤسسات الدستورية والعامة، من دون تطوير في القوانين والنظم التي تحكمه ومن دون تحديث في آلياته أو نظم مراقبته وتوجيهه.

Ad

وهو الأمر الذي جعله مرتعا خصبا للتجاوزات القانونية والفساد المالي والإداري، ومجالا واسعا لتعارض المصالح، ولعمليات التنفيع والإثراء السريع التي أضحت تعانيها أغلب الجمعيات التعاونية ما حدا بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل إلى حل اتحاد الجمعيات التعاونية الاستهلاكية، وحل أغلب مجالس إدارات الجمعيات، وتعيين مجالس بديلة، ثم تحويل بعض أعضاء المجالس المنحله إلى النيابة العامة رغم أن الإحالة إلى النيابة بحد ذاتها غير كافية، إذ إنه ينقصها عادة، كما هي الحال مع أغلب الإحالات الحكومية إلى النيابة العامة، الكثير من الأدلة الرسمية، فلا تكون متكاملة ومحكمة من الناحية القانونية ما يجعل النيابة تحفظها أو أن المحكمة تحكم ببراءة المتهمين.

لقد طال العمل التعاوني ما طال العمل السياسي والعمل التطوعي العام والعمل النقابي من تخلف وتخريب وتشويه، إذ إنه تحول، في عمومه من عمل تعاوني إنساني راق يهدف إلى خدمة عامة الناس، إلى عمل انتهازي نفعي مصلحي يستخدم أموال المساهمين في تحقيق أهدافه الخاصة، ويتعدى على حقوقهم المشروعة في الحصول على خدمات متطورة تلبي احتياجاتهم وتحقق تطلعاتهم.

وإن نظرة سريعة إلى تشكيل مجالس إدارات أغلب الجمعيات التعاونية تبين أنه يغلب عليها الطابع القبلي أو الطائفي أو الفئوي، بل إنه يجري في أكثر المناطق، سواء المسماة الداخلية أو الخارجية، انتخابات فرعية تسبق انتخابات الجمعيات التعاونية، وفي بعض الأحيان فإن التنافس في هذه الانتخابات يتم بين أبناء القبيلة الواحدة أو الطائفة الواحدة، وهو انعكاس طبيعي للوضع العام المتردي داخل المجتمع، إذ إن الانتخابات الفرعية تجري حتى في الانتخابات الطلابية بما فيها انتخابات طلبتنا في الدول العربية والأجنبية.

كما أنه من الملاحظ أيضا أن العنصر النسائي غائب تماما عن تشكيل مجالس الإدارات المنتخبة، وهو انعكاس للنظرة الاجتماعية المتخفلة للمرأة في المجتمع.

من جانب آخر فإن الوصول إلى مجالس إدارات الجمعيات التعاونية يعتبر وسيلة سهلة، خصوصا لضعاف النفوس وهم كثر، للإثراء السريع من ناحية ولاستخدام ذلك كجسر للوصول إلى المجلس البلدي أو مجلس الأمة من الناحية الأخرى، ولو تتبعنا السير الذاتية لأغلب أعضاء مجالس إدارات الجمعيات التعاونية السابقين لوجدنا ما يثبت ذلك.

صحيح أن هناك أعضاء منتخبين شرفاء ونزيهين وذوي كفاءة إدارية وفنية عالية في مجالس إدارات بعض الجمعيات التعاونية، ولكنهم أصبحوا قلة محاربة مع بالغ الأسف، إذ يكفي أن نعرف أن ما يقارب الـ60% من مجالس إدارات الجمعيات التعاونية البالغ عددها حاليا نحو خمسين جمعية، قد تم حلها من قبل الوزارة، وتعيين مجالس بديلة نتيجة لتجاوزات قانونية ومالية وإدارية وسرقات مالية وعمليات واسعة من تضارب المصالح والتنفيع غير المشروع.

كما أنه صحيح أيضا أن عملية إصلاح وضع الجمعيات التعاونية بشكل جذري هي جزء لا يتجزأ من عملية الإصلاح السياسي والديمقراطي العام الذي نطالب به باستمرار، بيد أن ذلك لا يتعارض البتة مع البدء بالإصلاح الداخلي للجمعيات التعاونية من خلال إقرار قانون عصري ينظم عملها ويفسح المجال لوجود آليات مناسبة للرقابة الفعالة على أدائها حتى يمكن، على الأقل، الحد من عملية الفساد المستشري في أغلب إداراتها والقضاء، ولو جزئيا، على الاستقطابات القبلية والطائفية والفئوية التي تسيطر في الوقت الحالي على مجمل عملها لأنها استقطابات مصلحية أنانية انتهازية تتناقض تماما مع فكرة العمل التعاوني الإنساني الراقي.

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة