لو أن "الشيخ" خالد مشعل بمجرد أن وضعه التنظيم العالمي للإخوان المسلمين على رأس مشروعه الفلسطيني، الذي هو "حماس" قرأ تاريخ القضية الفلسطينية، ودقق في معادلة المنطقة جيداً ولم تستبد به شهوة السلطة والشهرة والحكم، الذي لا يزال في بطن الحوت الإسرائيلي، لتصرَّف بالتأكيد منذ البداية بطـريقة مختلفة، ولما اضطر إلى استجداء ما كان يرفضه، وكان يعتبره تهمة ألصقها بالذين سبقوه إلى الثورة والمقاومة والجهاد بنحو ربع قرن، استجداءً كمتسول على الأبواب.

Ad

منذ البداية كان عليه ألَّا يراهن إلا على الشعب الفلسطيني، وكان عليه ألَّا يقبل أن يكون مشروع التنظيم العالمي للإخوان المسلمين ومن يتحالفون معهم، الذي هو "حماس"، بندقية للتأجير منذ اللحظة الأولى ومجرد رقم في معادلة إقليمية لا علاقة لها بفلسطين ولا بالقضية الفلسطينية كل ما يهم أصحابها الفعليين أن يكونوا "مقاول" الشرق الأوسط وأن يحققوا حلماً قديماً باستعادة أمجاد إمبراطورية غابرة كانت القوة الثانية المهيمنة في هذه المنطقة الاستراتيجية الحساسة.

وهكذا، ولأنه لم يقرأ التاريخ الفلسطيني قراءة جيدة ولأن شهوة الحكم قد استبدت به منذ اللحظة الأولى فإنه بقي يرفض الانضمام إلى المسيرة الفلسطينية، وبقي يتمسك بمعادلة أن "حماس" جابَّة لما قبلها، وأنها سترث الأولين والآخرين، وأنه من أجل هذا لا بد من تدمير منظمة التحرير، ولا بد من أن يكون عنوان جهاده وجهاد حركته هو: "إن الغاية تبرر الوسيلة" ولذلك ولأن الغاية هي الوصول إلى السلطة، فإنه ليس حراماً ولا عيباً القيام بذلك الانقلاب الأسود قبل عامين الذي سيبقى وصمة عارٍ في تاريخ الشعب الفلسطيني.

ما كان على مشعل أن يبقى يراهن على أصحاب

"المال الحلال"، وعلى الذين كل ما يهمهم هو أن يحسنوا مواقعهم في المعادلة الإقليمية، وأن تقبلهم الولايات المتحـدة كـ"مقاول" لهذه المنطقة، وذلك إلى أن وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه، فاضطر إلى استجداء ما كان يرفضه استجداءً وذلك وإن هو غلَّف تنازلاته بشروط كورقة التوت لم تحقق غرض ستر ما أقدم عليه.

إن من أهم صفات القائد أن يكون رائداً و"الرائد لا يكذب أهله"، كما جاء في الحديث النبوي الشريف، ولذلك فإن المفترض أن خالد مشعل قد استشعر التطورات قبل وقوعها وعرف أن الذين راهن عليهم واتخذ المواقف التي اتخذها من أجلهم ومن أجل مشاريعهم "بيَّاعون" وأنهم سيتخلون عنه وعن تطلعاته قبل أن يصيح الديك، وهذا هو ما أثبتته وقائع الفترة الأخيرة.

الآن ولأن هناك متغيرات حقيقية وفعلية بالنسبة إلى شركائه في تحالف "فسطاط الممانعة" فإن خالد مشعل بات يدلِّل على بضاعته كتاجر مفلس مضطر إلى بيع ما لديه بأبخس الأثمان، ولذلك ولأن مشوار التنازل يبدأ في العادة بالخطوة الأولى، فإنه حتماً ستكون هناك وقريباً خطوات لاحقة مماثلة كثيرة، وهنا فلعل ما ينطبق على هذه الحالة هو قول لينين: "إنك إن تراجعت أمام الخصم خطوة واحدة، فإنه سيضاعف الضغط عليك لتتراجع أمامه عشر خطوات إضافية جديدة".

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء