1

Ad

أعلنت إسرائيل أخيراً أنها لن تعقد مباحثات غير مباشرة مع سورية عبر الوسيط التركي، وأعلنت سورية بالمقابل أنها لن تعقد مباحثات مباشرة مع إسرائيل.

وبذا، تعتبر المفاوضات بشأن السلام السوري-الإسرائيلي متوقفة مستقبلاً وربما لسنوات أربع قادمة إلى أن تأتي حكومة عمالية إسرائيلية أخرى أو حكومة من حزب «كاديما». أما حزب «الليكود» والمؤتلفين معه من الأحزاب اليمينية الأخرى فلا أمل في تعديل سياستهم تجاه الخطوات الأولى لمباحثات السلام بين سورية وإسرائيل.

هناك عدة أسئلة تحتاج إلى أجوبة عقلانية وهي:

- لماذا نكصت إسرائيل هذا النكوص السياسي الآن؟

- لماذا ترفض إسرائيل المباحثات مع السوريين عبر الوسيط التركي؟

- لماذا ترفض سورية منذ البداية المباحثات المباشرة، ولذا قبلت بالمباحثات عن طريق الوسيط التركي؟

2

في آخر استطلاع للرأي جرى في إسرائيل قبل شهر أو يزيد، كانت نتائجه تقول إن أكثر من خمسين في المئة من سكان إسرائيل يرحبون بالسلام مع الدول العربية. ولكن أي سلام؟

فإسرائيل لا تريد سلاماً بارداً كالذي تم مع مصر ثم مع الأردن، إنما تريد سلاماً حقيقياً لا يقتصر على فتح سفارة في شقة معزولة ومكروهة في العواصم العربية.

إسرائيل تريد من خلال اتفاقيات السلام الجديدة مع باقي الدول العربية أن يكون التطبيع شاملاً مستفيدة من تجربتها المريرة بالسلام مع مصر ومع الأردن. أي أن يكون السلام مع الشارع العربي والشعب العربي وليس مع الحكومات أو الأنظمة العربية فقط. وبعض خطوات هذا التطبيع التي من المفروض أن تتم قبل اتفاقيات السلام لكي يكون الجو والفضاء العام العربي مهيأً ومتقبلاً للسلام، وليس العكس.

أما أهم خطوات التطبيع المطلوبة من قبل الشارع العربي والأنظمة العربية فهي: انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة بعد عام 1967 بموجب مبادرة السلام العربية التي طرحت في القمة العربية في بيروت 2002. والسماح للطيران المدني الإسرائيلي بالطيران في الأجواء العربية واستعمال المطارات العربية. وتبادل الطلبة بين الجامعات الإسرائيلية والعربية. وكذلك تبادل البعثات والندوات والبحوث العلمية. وإقامة تبادل اقتصادي وزراعي وثقافي على أوسع نطاق بين إسرائيل والعالم العربي، وقيام بنوك إسرائيلية في العالم العربي، وقيام بنوك عربية في إسرائيل. وأخيراً، إزالة كل القيود والسدود والحدود التي تحول دون التطبيع الشامل.

3

أما لماذا نكصت إسرائيل هذا النكوص السياسي الآن، بإعلانها أنها لن تقبل المفاوضات غير المباشرة مع سورية، وأنها ترحب بمفاوضات مباشرة من دون وسطاء ووجهاً لوجه، فلذلك عدة أسباب منها؟

1- بعد مرور أكثر من ستين عاماً على قيام دولة إسرائيل، فلقد شعرت الدولة الإسرائيلية وتأكدت أنها ليست في حاجة ماسة لسلام العرب بعد التجربتين المريرتين للسلام المنقوص مع مصر والأردن. خصوصا أن العرب يشترطون- حسب مبادرة السلام العربية في مؤتمر قمة بيروت عام 2002- أن يقوم السلام مقابل الأرض. وإسرائيل تعتبر أن ما احتلته في عام 1967 لاسيما الضفة الغربية والقدس والجولان أغلى بكثير من السلام العربي الذي يحتاج إلى عشرات السنين المقبلة لكي يصبح سلاماً واسعاً وشاملاً ونهائياً وواقعياً.

2- إن السلام الذي كانت إسرائيل تنشده من العالم العربي والذي قامت من أجله حروب 1948، 1956، 1967، 1973، 2006، لم يعد بالزخم نفسه والأهمية نفسها التي كان عليها السلام في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات كذلك، حيث لم تكن الدولة الإسرائيلية في ذلك الوقت من القوة العسكرية والاقتصادية والصناعية والتعليمية والثقافية التي هي عليها الآن. وها هي إسرائيل تتقدم في مختلف المجالات على كل العرب مجتمعين رغم حالة الحرب الباردة، بينها وبين باقي دول العالم العربي.

3- وأخيراً، لقد رفضت إسرائيل محادثات السلام مع سورية عبر الوسيط التركي، لأنها لا تريد السلام. ولو وافقت سورية- وهذا مستبعد- على المحادثات المباشرة للسلام بينها وبين إسرائيل فسوف تضع إسرائيل مستقبلاً أحجار العثرة الكثيرة والمختلفة في طريق السلام مع سورية الذي سيكون أشد مرارة على إسرائيل من السلام المصري والأردني، لأن سورية يحكمها حزب قومي متشدد جداً بخصوص السلام مع إسرائيل حتى يظل هذا الحزب محافظاً على صدقيته في الشارع العربي.

4

- وجواباً عن السؤال الأخير: لماذا ترفض سورية منذ البداية المباحثات المباشرة، ولذا قبلت بالمباحثات عن طريق الوسيط التركي، فلذلك عدة أسباب منها؟

1- النظام السوري الحالي قائم ويعيش ويبقى سائداً، على ما يُعلنه من مواقف سلبية ممانعة، ومن هذه المواقف موضوع السلام مع إسرائيل، فلقد سبق للراحل حافظ الأسد أن أعلن «ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة» وقد أصبح هذا الشعار السياسي العسير شعار الشارع العربي كله، وهو ما أعاق السلام، وحوّله إلى سلام الحبر على الورق، داخل أدراج وملفات حفظ وزارات الخارجية العربية والإسرائيلية على السواء.

2- سورية الآن لا تريد السلام، أو أنها تريد السلام واسترجاع الجولان من دون ثمن سياسي أو مادي علماً أن ثمن الجولان يفوق مبلغ الخمسين مليار دولار حسب التقديرات الأولية. وسورية تعلم أن إسرائيل تطلب ثمناً مرتفعاً لعودة الجولان لسورية، فمن يدفع الثمن؟ يقول تسيفي بارئيل المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في جريدة «هآرتس» (10/8/2009) إن إسرائيل عندما انسحبت من غزة وأجْلَت سبعة آلاف يهودياً كانت تكلفة هذا القرار 10 مليارات شيكل (3.7 مليارات دولار) وهو ما يوازي نصف الميزانية السنوية للدولة العبرية. وثمن الجولان على هذا الأساس ربما يساوي حجم الميزانية السنوية للدولة العبرية لمدة خمس سنوات أو أكثر. وأميركا التي دفعت المليارات لإسرائيل مقابل انسحابها من سيناء غير قادرة الآن على دفع المبلغ المطلوب بعد أن استُنزفت خزانتها في أفغانستان والعراق.

3- وأخيراً، فإن التحالف القائم بين سورية وإيران، وبين سورية و«حزب الله»، وبين سورية و«حماس» وبقية الميليشيات الفلسطينية المقيمة في دمشق يحول بينها وبين المفاوضات المباشرة مع إسرائيل حتى لا تصل إلى نتائج ايجابية بسرعة، ولكي تستطيع التقاط أنفاسها السياسية في هذا الماراثون السياسي المرهق.

وهكذا نرى أنه لا إسرائيل ولا سورية تريدان السلام الغالي الثمن في المحصلة النهائية، ولكنهما ترغبان في السلام المجاني، دون تكلفة تُذكر، وهذا هو المستحيل لكلا الطرفين، فتكلفة السلام أعلى بكثير من تكلفة الحرب.

* كاتب أردني

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء