نحن اليوم على أعتاب استجواب جديد، وليس هذا بجديد، فنحن دائماً في أعقاب وعلى أعتاب استجواب جديد، ويقف خلف هذا الاستجواب التكتل الشعبي، وليس هذا أيضاً بجديد، فالتكتل يحتاج دوما إلى قضية، لأن التكتل في الحقيقة هو القضية، وبلا قضية لا يكون التكتل، وليس من قضية أكثر سطوعاً وبريقاً ولمعاناً من استجواب جديد.

Ad

ولست هنا في وارد الدفاع عن الوزير المستجوب، بفتح الواو، وزير الإعلام الشيخ أحمد العبدالله، فليس على رحيله تنوح النائحات ولا حتى تبكي البواكي، فالرجل ومنذ يومه الأول يوم دخل خشبة المسرح السياسي، وهو بعيد كل البعد عن الإتيان بما يلفت النظر، ناهيك عما قد، وأقول قد، يستجلب الاستحسان، لكنه في المقابل بارع جداً، براعة قد يمكننا تسجيلها له كبراءة اختراع، في السقوط في الحفر والمطبات السياسية، حيث لا يكاد يخرج من واحدة حتى يسقط في أختها التي لا تبعد عنها إلا بمقدار ما تحتاجه قريحته الفذة، لإطلاق تصريح أو تعليق عجيب غريب غير محسوب العواقب، أو القيام بعمل يعجزك عن تخيل كيف تفتق عنه ذهنه ودار في خلده، هذا إن كان هذا يحصل أصلاً، وأن أموره لا تدار بأسلوب «خبط عشواء»... الشيخ أحمد العبدالله وبكل ببساطة، محترف عثرات وسقطات سياسية!

لكنني، وإن قلت هذا كله، فلست بواثق البتة بما ستؤول إليه الأمور في المقبل من الأيام، فالأبواب كلها، وكما هي دوما، مشرعة على كل الاحتمالات، وإن كانت جميعها تقود في النهاية، وكالعادة أيضا، إلى ذات النتيجة: لا شيء... الصفر المطلق... درجة التجمد!

من الممكن أن تدافع الحكومة عن وزيرها وتحميه، فهي قادرة على ذلك وقد أثبتت هذا على أرض المعركة في يوم الاستجوابات الشهير، الذي لاتزال ذكراه غضة طرية في تلافيف ذاكرة الحكومة ومؤيديها، ولاتزال مرَّة ثقيلة جارحة في أفواه خصومها. وفي الكفة الأخرى، فمن الممكن كذلك ألا تدافع الحكومة عنه، فتقدمه كبش فداء وحيداً عارياً في العراء، لتنهشه الضواري ويرحل غير مأسوف عليه، فالأمر برمته لا يعدو كونه أكثر من لعبة سياسية فاترة، قد تستلزم التضحيات وتقديم القرابين أحياناً، كما كان مراراً وسيكون دوماً!

وسواء بقي الوزير أم رحل، فلا يمكن أيضاً، وعلى الإطلاق، القول إن الوضع الإعلامي المزري الذي يجري استجواب الوزير العبدالله على خلفيته سيتم إصلاحه ومعالجته، ولا حتى الحرص على متابعته لهذا الهدف، أعني هدف الإصلاح والمعالجة، بعد انتهاء الاستجواب، فلا أظن الكتلة المستجوبة، بكسر الواو، يهمها هذا أكثر من اهتمامها بـ»تطيير» رأس الوزير ودحرجته على درجات المذبح السياسي، وتحقيق انتصار لها، هي بأمس الحاجة إليه اليوم، بعدما أثخنتها بالجراح سلسلة هزائم الأمس. ولطالما شاهدنا مراراً وتكراراً كيف انتهت أغلب، بل ربما كل، الاستجوابات السابقة إلى عدم تصحيح الأوضاع التي جرت لأجلها، حتى بعدما جرى إقصاء الوزراء الذين تم استجوابهم!

وفوق هذا، فلا توجد أي ضمانات كذلك بعدم عودة الشيخ أحمد العبدالله إلى أي تشكيلة حكومية قادمة إن هو خرج اليوم مُقالاً أو مستقيلاً، فالرجل كان قد تم استجوابه سابقاً، واستقالت الحكومة بأسرها على خلفية الأمر، ومع ذلك عاد إلى التشكيلة الحالية ليحمل حقيبتين من أخطر الحقائب الوزارية، النفط والإعلام، ولهذا، وفي ظل الصعوبة المتزايدة التي تعترض رئيس الحكومة دائماً عند اختيار وزراء كل تشكيلة جديدة، ولندرة الأكفاء الجدد ممن يقبلون بالمشاركة، سيضطر الرئيس دون شك إلى اللجوء إلى سوق المستعمل والقبول حتى بمن سبق لهم التعرض لمثل هذه الاصطدامات المخيفة، التي جعلتهم غير صالحين للقيادة!

خلاصة القول، إن ما يجري ليس سوى فوضى... فوضى مجنونة بكل معنى الكلمة، ولا يمكن لها أبداً أن تخلق شيئاً له قيمة، ولكن وفي كل الأحوال، كل ما أوده هو أن نمر بهذا كله سريعاً... أن نركض من طرفه إلى طرفه، لننتهي منه بأسرع وقت، وأنا شخصياً لن أنظر خلفي لأرى ما قد حصل، فهو بكل احتمالاته سواء بسواء في النهاية، وسأظل على أمل أن يكون ما بعده خير.