يبدو أن سلسلة النجاحات السياسية والتشريعية التي حققتها الحكومة منذ الانتخابات الأخيرة لم تشفع لها في تطوير نظرتها الاستراتيجية والمستقبلية لمفهوم دولة القانون والمؤسسات، فمع كل انتصار سياسي، وعلى الرغم من الدعم الإعلامي غير المسبوق، تقع الحكومة في بعض الحفر أو تصطدم بمطبات لتجد نفسها في مأزق من الإحراج، وبدلاً من تصحيح المسار تكون المكابرة والإصرار على الخطأ هما الخيار الأخير لها.

Ad

وهناك عدة مؤشرات ودلالات تعكس هذا التناقض في المسلك الحكومي خصوصاً خلال الأشهر القليلة الماضية، الأمر الذي يعني عدم قدرة الحكومة، كسلطة تنفيذية مهيمنة على السياسة العامة للدولة، على إدراك العلاقة الوثيقة بين التطور التشريعي من جهة والانفتاح السياسي من جهة أخرى.

ففي مجال حقوق الإنسان تم إنجاز قانون المعاقين، وقانون العمل في القطاع الأهلي، إضافة إلى صدور القرار الوزاري بتحديد السقف الأدنى للأجور، وفي مجال الإعلام بدت ثمار قانون المطبوعات والنشر وقانون المرئي والمسموع تؤتي أكلها من خلال الكم الهائل من الصحف الجديدة والقنوات الفضائية الخاصة، وفي المجال الاقتصادي تم إقرار خطة التنمية بميزانية عملاقة تجاوزت الثلاثين مليار دينار، وتبع ذلك صدور قانون الخصخصة الذي فتح الباب على مصراعيه لاستحواذ كل ما على الأرض إلا ما ندر.

كما نجحت الحكومة في احتواء العديد من الاستجوابات البرلمانية، بما في ذلك استجواب رئيس الوزراء، مما يعني ضمان استقرارها الوزاري وثبات أغلبيتها النيابية لتمرير أي مشروع حتى نهاية الفصل التشريعي الحالي.

ولكن وفي مقابل ذلك كله، وبدلاً من رد هذا الجميل والدعم الكبير حتى لنواب الحكومة والشعب الكويت ككل، تكشر الحكومة عن أنيابها في قضايا جزئية وتهول منها إلى حد التوتر الذي يشمل البلد برمته، فتهديدات وزير الإعلام بتقليص الحريات الصحفية، وتوعده لرؤساء التحرير ومديري الفضائيات، فتحت من جديد باب المساءلة للحكومة، ولم ينجُ الوزير من الاستجواب إلا بشق الأنفس بعدما اهتزت الثقة البرلمانية به بشكل عملي.

والتعسف الذي يواجه به الكاتب الصحافي محمد الجاسم من حجز وتحقيق واعتقال على خلفية مقالات وكتب مضى عليها أكثر من خمس سنوات فتح على الحكومة من جديد أبواب النقد الإعلامي في مجال حقوق الإنسان وقضايا الرأي، ليس فقط محلياً إنما من قبل المنظمات الدولية، وفي وقت كانت فيه الحكومة ماثلة أمام لجنة أممية لتقييم ملفها الخاص بحقوق الإنسان، وكانت الحكومة في غنى عن هذا كله لو أحالت القضية إلى المحكمة من اليوم الأول ليحكم فيها القضاء بدلاً من إحياء فكرة الاعتصامات والمسيرات والإضراب عن الطعام، وتحولها إلى أسلوب تحدٍّ ناجح!

وبعد إقرار قانون الخصخصة مباشرة بدأت الحكومة برفع نبرة التهديد والوعيد للنقابات والاتحادات العمالية إذا ما لجأت إلى الإضراب عن العمل كتعبير ضد الخصخصة، رغم أن الخصخصة بطبيعتها ووفق جميع تجاربها في العالم تفرز نقابات عمالية قوية ونشطة، ولكن يبدو أن الخصخصة الكويتية من وجهة نظر الحكومة يجب ألا تكون مدللة فحسب بل لها أنياب ومخالب أيضاً!

في السابق ومع بدايات العهد الدستوري والاشتراكية الاقتصادية ومحدودية وسائل الإعلام كانت سمعة الكويت تقاس بحرياتها ونقاباتها واتحاداتها الطلابية ومظاهراتها، ولكن اليوم، ومع كل هذا الانفتاح والتوسع التشريعي والجنوح نحو الرأسمالية، بدأت الحريات تتقلص والنقابات تهدد والاتحادات يُضيَّق عليها، وفوق كل هذا أصبح لدينا سجناء رأي قبل المحاكمة!

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة