تدخل اليوم الاستحقاقات الانتخابية الكبرى في مصر أولى محطاتها، عندما يتوجه المصريون إلى صناديق الاقتراع لاختيار 74 نائباً في 55 دائرة انتخابية على مستوى الجمهورية، لانتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى (الغرفة الثانية للبرلمان).
ويتنافس في تلك الانتخابات 446 مرشحاً، فاز 14 منهم بالتزكية وينتمون جميعاً إلى الحزب الحاكم، وسط اهتمام غير مسبوق بتلك المعركة الانتخابية التي تشهد مزاحمة قوية من جانب قوى المعارضة، وجماعة "الإخوان المسلمين"، في محاولة لكسر احتكار الحزب "الوطني" لمقاعد هذا المجلس الذي يعين رئيس الجمهورية ثلثَ أعضائه.رغم الهدوء المعتاد في المعارك الانتخابية لمجلس الشورى المصري، فإن عوامل عدة أضفت على انتخابات التجديد النصفي للمجلس العام الحالي، سخونة غير مسبوقة، ربما أولها اقتراب استحقاقات انتخابية أكثر أهمية وهي الانتخابات البرلمانية في الخريف المقبل، والانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل، وهو ما يضع كل القوى السياسية المصرية في اختبار قوي، ليس فقط للفوز بمقاعد الشورى، وإنما لاكتساب الأرضية وقوة الدفع لخوض بقية الانتخابات، لاسيما أن نتيجة الأحزاب في تلك الانتخابات ستحدد من سيكون له الحق في خوض انتخابات الرئاسة.وبينما يبدو مشهد المنافسة الرئيسي في انتخابات الشورى منحصراً بين الحزب "الوطني" وجماعة "الإخوان" رغم انخفاض عدد مرشحي الأخيرة إلى 15 مرشحاً فقط، إلا أن حظوظ منافستهم على الفوز تبدو أكبر من كل مرشحي المعارضة البالغ عددهم 42 مرشحاً وينتمون إلى 13 حزباً معارضاً، في مواجهة 92 مرشحاً للحزب الحاكم، بينما تكرس تلك الانتخابات التهميش الواضح للمرأة والأقباط، ووسط مخاوف عميقة من عدم وجود ضمانات حقيقية لنزاهة الانتخابات في ظل تقليص الإشراف القضائي على الانتخابات، وقصره على لجان الاقتراع العامة فقط.القبضة الحديديةوكالعادة تبدو حظوظ الحزب "الوطني" هي الأوفر في الحفاظ على الأغلبية التامة التي يتمتع بها في مجلس الشورى، الذي لا يضم سوى نائب واحد معارض بالانتخاب، بينما بقية المعارضين يتم تعيينهم من قبل رئيس الجمهورية، وهو ما يجعل مجلس الشورى بمنزلة "الفناء الخلفي" للحزب الحاكم، والذي يسعى إلى إحكام سيطرته عليه، والاستحواذ على كل المقاعد، إلا أن تلك الانتخابات شهدت عدداً من المتغيرات والشواهد ذات الدلالة داخل الحزب، تؤكد أن قيادات "الوطني" تنظر إلى انتخابات الشورى على أنها "بروفة" قوية قبل الانتخابات البرلمانية والرئاسية. ونفذ الحزب ما يمكن أن يطلق عليه سياسة "القبضة الحديدية" والتي نفذها بدقة أمين تنظيمه النائب أحمد عز، إذ استطاع عز مواجهة الانشقاقات الحزبية التي كانت تصاحب عمليات اختيار المرشحين لخوض الانتخابات، على الرغم من أن نسبة التغيير في المرشحين لم تزد على 10 في المئة، بل إن عز استطاع أن يسخّر نواب الحزب في مجلس الشعب، الطامعين في إعادة ترشيحهم بعد عدة أشهر، لخدمة مرشحي الشورى، إذ اعتبر عز أداء نواب الشعب في مساندة مرشحي الشورى أحد المعايير التي ستُراعى عند تقييم أدائهم السياسي بشكل عام.تكتيكات «الإخوان»في المقابل، يبدو الطرف الثاني في معادلة الصراع السياسي في مصر، وهو جماعة "الإخوان" أقل عدداً من حيث المرشحين، لكنه الأكثر تنظيماً وتحركاً في الشارع، إذ نجحت الجماعة في اختراق الحصار الأمني المفروض ضدها وتقدم 15 من مرشحيها في 11 محافظة بأوراقهم لخوض المنافسة، التي تعتبرها الجماعة أيضا تدريباً قوياً قبل المعركة الرئيسية لها مع النظام الحاكم في انتخابات مجلس الشعب.واستخدم "الإخوان" تكتيكاً قوياً للإفلات من القيود الأمنية لاستهداف مرشحيهم، فتقدمت الجماعة بأوراق عدد من المرشحين، بينهم عدد كبير يخفي انتماءه للجماعة، بحيث إذا ما تم الطعن على أحد المرشحين أو استبعاده من الانتخابات، يخرج على الفور النائب البديل ليربك حسابات الحزب الحاكم وقوى الأمن، وتجسد هذا التكتيك في الدائرة الأولى في محافظة الإسكندرية، التي تم استبعاد المرشح الأساسي للجماعة فيها علي بركات لإخلاء الطريق أمام مرشح الحزب "الوطني" وعضو أمانته العامة محمد عبداللاه، إلا أن ظهور المرشح البديل للجماعة حسن إبراهيم قلب موازين المنافسة في الدائرة.كما اعتمدت الجماعة على تكتيك جديد، وهو الدفع بعدد من نوابها في مجلس الشعب لخوض انتخابات الشورى، إذ دفعت بثلاثة من نوابها هم: علي فتح الباب في محافظة حلوان، وأشرف بدر الدين في المنوفية، وعزب مصطفى في الجيزة للاستفادة من حصانتهم البرلمانية لإقامة مؤتمرات وممارسة جولاتهم الانتخابية بحرية تامة والإفلات من الاستهداف الأمني.وقامت الجماعة كذلك بالتنسيق مع عدد من أحزاب المعارضة ودعم مرشحيها في بعض الدوائر، وهو ما يراه الباحث في مركز "الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية" ضياء رشوان، "أمراً ليس جديداً فقد سبق للإخوان أن قاموا بالتنسيق والتحالف مع أحزاب أخرى كالوفد في عام 1984 والعمل في عام 1987، ولكن المختلف الآن هو تعمد الإخوان الرد على وجود خلافات مع باقي القوى السياسية بسبب تطرف الإخوان أو تشددهم وخصوماتهم مع القوى السياسية الأخرى، وأبلغ دليل على ذلك هو تنسيق الجماعة مع مرشحين لحزب التجمع، ودعمها للمرشح القبطي المستقل نبيل رمزي جرجس في محافظة أسيوط ضد مرشح الحزب "الوطني" وعضو أمانته العامة محمد عبدالمحسن صالح، في محاولة لمواجهة اتهامهم بالطائفية".ولفت رشوان إلى أن "أهم مكاسب الإخوان في معركة الشورى الحالية هو الخروج من عباءة الجماعة المحظورة، وتحولها إلى قوة سياسية لا يُستهان بها سياسيا ويخشاها الحزب الوطني".مشاركة «ديكورية»أما الطرف الثالث في لعبة الانتخابات الحالية فهو أحزاب المعارضة، التي تبدو مشاركتها "هزيلة"، إذا ما قورنت بمشاركة "الوطني" أو حتى بعدد المرشحين المستقلين الذين يتجاوز عددهم 330 مرشحاً مقابل 42 مرشحاً يمثلون 13 حزباً معارضاً بنسبة لا تتجاوز 9 في المئة من جملة عدد المرشحين، وتراوح وجود تلك الأحزاب ما بين الغياب التام، وبين السعي إلى التمثيل المشرف لأحزاب أخرى عن طريق طرح عدد محدود من المرشحين.وتسير تحركات المعارضة في التعامل مع انتخابات الشورى عكس المتوقع في أن أحزاب المعارضة التي كان يجب عليها استغلال انتخابات الشورى لتكون بروفة لها قبل انتخابات مجلس الشعب الحاسمة التي ستجرى في الخريف المقبل، فحزب "التجمع" الذي يعد أكثر أحزاب المعارضة تمثيلاً في مجلس الشورى لم يرشح سوى عشرة مرشحين، وهو ما برره أمين الشؤون السياسية والبرلمانية والمتحدث باسم حزب "التجمع" نبيل زكي، "بعدم وجود إمكانات مالية للحزب لتمويل الحملات الانتخابية خاصة أن الدوائر الانتخابية للشورى ضخمة وممتدة".ويخوض حزب "الوفد" الانتخابات بـ12 مرشحاً من قيادات الحزب، ويعتمد على معاقله التاريخية في المحافظات للفوز بأحد مقاعد الشورى، فعلى سبيل المثال، يخوض مرشح "الوفد" في محافظة الشرقية عبدالمجيد شريف معركة شرسة أمام مرشح "الوطني" أسامة الصادق، وفي بورسيعد يخوض مسعد المليجي مرشح "الوفد" منافسة قوية أيضاً أمام مرشح "الوطني" سامي الرشيدي، وتبدو حظوظ مرشحي الحزب في هاتين المحافظتين أكبر من بقية المحافظات.أما الحزب "الناصري" فلم يخض الانتخابات سوى بمرشحين اثنين فقط، أحدهما قدم استقالته من الحزب بعدما تخلى الحزب عن ترشيحه للشورى تحت مظلته، وهو أمين التنظيم محسن عطية، وتكرس المشاركة الهزيلة للحزب "الناصري" في انتخابات الشورى حالة الانقسام والتشرذم التي يعانيها الحزب، وضعف دوره في الشارع السياسي خلال السنوات الأخيرة، وفشله في الحصول على أي مقعد بالبرلمان خلال الانتخابات الأخيرة.الأقباط والمرأة وإذا ما كانت انتخابات الشورى تكرس الغياب الواضح لأحزاب المعارضة عن الشارع السياسي، فإنها تكرس بشكل أكثر وضوحاً غياب الأقباط والمرأة عن العملية السياسية، إذ صارت تلك المشاركة بمنزلة "ذر للرماد" في عيون المنتقدين لغياب تلك الفئات عن الساحة، ويتساوى في ذلك الحزب الحاكم الذي لم يرشح سوى قبطيين اثنين من جملة 92 مرشحاً له، وامرأة واحدة تواجه طعوناً قضائية قد تقصيها عن السباق، كما فشلت المعارضة في تحقيق ما تنادي به من توفير مساحة أكبر لمشاركة الأقباط والمرأة بسبب المشاركة الهزيلة لها في الانتخابات وغاب الأقباط تماما عن ترشيحاتهم، بينما لم تترشح على لوائح الأحزاب سوى امرأتين فقط.ويبدو الحزب "الوطني" الحاكم في ترشيحه للقبطيين، رجل الأعمال عيد لبيب في دائرة ملوي في محافظة المنيا، والعمدة مالك في محافظة أسيوط، لا يسعى إلى الفوز بقدر ما يحاول إبقاء علاقته بالكنيسة لدعم المقربين منها ولضمان دعمها للنظام في كل الانتخابات المقبلة، ومنها انتخابات مجلس الشعب والانتخابات الرئاسية في صفقة سياسية تحدث عنها عدد من التقارير الإعلامية، عقب زيارة أمين التنظيم في الحزب "الوطني" أحمد عز إلى البابا شنودة الثالث بطريرك الكرازة المرقسية في مقر الكاتدرائية قبل انتخابات الشورى بنحو ثلاثة أسابيع.ولا تبدو حظوظ المرأة في المنافسة أفضل، إذ تخوض الانتخابات 11 سيدة، 8 منهن من المستقلات، و3 مرشحات حزبيات، وتنتمي إحدى هؤلاء المرشحات الثلاث إلى الحزب "الوطني" وهي سيدة الأعمال هدى الطبلاوي عن دائرة كفر الشيخ، والتي تم إبعادها بحكم قضائي لكشف صدور أحكام قضائية ضدها بسجنها نحو 13 عاماً وتنتظر نتيجة الطعن على الحكم للعودة إلى حلبة المنافسة.حرب الطعونمن الظواهر اللافتة في انتخابات الشورى 2010، تلك الحرب المستعرة بين المرشحين في ساحة الطعون القضائية، والتي باتت وسيلة فعالة في إقصاء المرشحين والتلاعب بمسارات المنافسة، وكانت أكثر هذه الطعون أهمية 13 طعناً في محافظة القاهرة، مقدمة ضد مرشحي الحزب "الوطني" الحاكم، في حين توزعت الطعون الأخرى على قوى سياسية مختلفة ومستقلين من بينها 4 طعون خاصة بجماعة "الإخوان المسلمين"، وطعن لمرشح عن حزب "الوفد"، وآخر لمرشح مستقل.مخاوف من التزويرفي الوقت الذي يؤكد فيه رموز الحزب الحاكم أن انتخابات الشورى هذا العام ستكون نزيهة، يتمسك عدد كبير من الحقوقيين المصريين بمخاوفهم العميقة من عدم وجود ضمانات حقيقية لتحقيق تلك النزاهة، والوفاء بالالتزام الذي تعهد به الرئيس المصري حسني مبارك بأن تكون صناديق الاقتراع هي الفيصل في الاختيار، ويكون الشعب هو الحكم في المنافسة السياسية.وأبرز الشواهد التي يسوقها المتخوفون من وقوع تزوير على نطاق واسع لمصلحة مرشحي الحزب الحاكم هي عدم وجود قاضٍ على كل صندوق، بعد تقليص التعديلات الدستورية التي أقرت عام 2007 للإشراف القضائي على الانتخابات، لاسيما أن المراقبين الحقوقيين يواجهون تعنتاً من قبل الأجهزة الأمنية لمنعهم من المشاركة في مراقبة الانتخابات، وسيشرف على سير الانتخابات 306 من القضاة وأعضاء الهيئات القضائية، بينما يعمل 571 ألفاً من الموظفين العاملين في الدولة في تسيير الاقتراع في 35 ألف لجنة فرعية.
دوليات
انتخابات «الشورى» المصري بروفة هادئة بين «الوطني» و«الإخوان»
01-06-2010