تمر هذه الأيام الذكرى الأليمة العشرون للاحتلال العراقي البغيض لوطننا، وهي ذكرى تحمل معها الكثير من الصور المرعبة والتجارب المأساوية المزعجة التي لن تفارقنا ما حيينا، إذ إنه وفي خلال سويعات معدودة فقدنا وطننا وهويتنا الوطنية المستقلة، وعاثت قوى الاحتلال الغاشم فساداً ونهباً وتدميراً في كل أرجاء وطننا.

Ad

نعم هي صور وتجارب مزعجة جداً ومرعبة بكل ما تحمله الكلمة من معان، إذ فقدنا بالإضافة إلى الوطن أصدقاء وأقرباء وزملاء أعزاء ضحوا من أجل الوطن بأرواحهم سواء كانوا شهداء أو مفقودين أو أسرى ومصابين، كما دمرت قوى الاحتلال البنى التحتية ومؤسسات الدولة كافة، مثل جامعة الكويت، ومعهد الأبحاث العلمية، وهيئة التعليم التطبيقي، والمكتبة الوطنية، والمسارح والوزارات والمؤسسات العامة بعد أن نهبت محتوياتها كافة، وسرقت منازلنا بعد أن استولى جنود الاحتلال على ممتلكاتنا الشخصية ودمرت البيئة دمارا فظيعا بعد أن أشعلت قوى الاحتلال النيران في آبار النفط قبيل هروبها واندحارها مفلسة تجر أذيال العار والهزيمة.

لكن على الرغم من كل هذا الألم النفسي الذي مازال يعتمل في نفوسنا جميعا، وعلى الرغم من طعم المرارة الذي لانزال نتذوقه نتيجة لما تعرضنا له من غدر وخيانة فإنه يتعين علينا، ونحن نمر بالذكرى العشرين للاحتلال، ألا نقف طويلا أسرى للذكريات الأليمة والتجارب القاسية التي مررنا بها في أثناء فترة الاحتلال مهما بلغت درجة فظاعتها، بل إنه يجب علينا، بدلا من ذلك، أن نستخلص الدروس والعبر من المحنة التي مررنا بها، إذ إن الشعوب الحية لا تعيش أسيرة للذكريات الأليمة لسنوات طويلة، بل إنها تتعظ من تجاربها بعد دراستها وتحليلها بعمق، وتستخلص منها ما يفيدها لتطوير إمكاناتها وتقدمها، ولنا في تجارب اليابان والدول الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية خير مثال هنا.

وفي هذا السياق فإنه من ضمن أهم الدروس والعبر التي يجب أن نستخلصها في الذكرى العشرين للاحتلال هو التالي:

أولا: أن تماسك الجبهة الداخلية وتلاحمها هو الضمانة الأكيدة لاستقرار وطننا ولحمايته من الأخطار الخارجية، إذ إن ذلك شكل المفاجأة الأولى الصاعقة والرد المباشر على قوى الاحتلال وجعلها تعيد حساباتها بعد أن أسقط في يدها، إذ لم يجد المحتل الغاشم أحدا من الكويتيين يتعاون معه بل على العكس من ذلك، فقد تشكلت جبهة معارضة داخلية قوية اتحد فيها الشعب الكويتي بمكوناته كافة وبشتى قواه السياسية رافضة الاحتلال ومتمسكة بالشرعية الدستورية.

ومع أسف بالغ أن هناك من لم يعتبر أو يتعظ من ذلك، إذ إن جبهتنا الداخلية ونسيجنا الاجتماعي يتعرضان منذ فترة ليست بالقصيرة للعبث والزعزعة، ومحاولة بعث الفرقة والشقاق بين المكونات الأساسية للشعب الكويتي الواحد.

ثانيا: أن التمسك بالنظام الديمقراطي الدستوري كان هو الأساس الذي جعل حكومات العالم الديمقراطي تقنع شعوبها بأهمية إرسال جيوشها لتحرير دولة الكويت الصغيرة، خصوصا بعد مطالبة الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران بأن يترك للشعب الكويتي الحرية في تقرير مصيره، إذ انعقد على إثر هذه المطالبة مؤتمر جدة في أكتوبر 1990 الذي اتفقت فيه الحكومة والمعارضة على التمسك بدستور 1962 وبالشرعية الدستورية.  

ثالثا: أن عدم محاسبة من كان مسؤولا عن سقوط الدولة خلال سويعات قليلة يعتبر خطأ جسيما، لذلك فإنه لا بد، على الأقل، من نشر التقرير النهائي للجنة تقصي الحقائق عن الغزو العراقي التي شكلها مجلس 1992 حتى يعرف الجميع من يتحمل المسؤولية عما حصل.

رابعا: أن ما يحدد مواقف الدول الكبرى هو مصالحها الاقتصادية والسياسية المتغيرة باستمرار، لذلك فإن الظروف الدولية لا تعرف الثبات إطلاقا بل إنهما في تغير دائم ومستمر تبعا لمصالح الدول المؤثرة، أضف إلى ذلك أن هنالك حقائق تاريخية وجغرافية ثابتة من المستحيل تغييرها حسب رغباتنا أو عواطفنا، ومن ضمنها أن موقعنا الجيوسياسي يحتم علينا التعامل مع ظروف سياسية بالغة الحساسية لا مكان فيها للعواطف الجياشة أو المواقف الانفعالية السريعة إطلاقا، إذ إننا نعيش في منطقة غير مستقرة سياسيا وقابلة للاشتعال في أي لحظة، بيد أنها في الوقت عينه منطقة نفوذ عالمي لما فيها من مصالح حيوية للاقتصاد العالمي تحدد على أساسها العلاقات الدولية، لذلك فإنه يجب علينا جميعا ألا ندع العواطف الساذجة و"الطفيلية" السياسية تتحكمان بتصرفاتنا أو مواقفنا السياسية تجاه دول الجوار كافة، التي يجب أن نحتفظ معها بعلاقات أساسها حسن الجوار، واحترام الاختلافات السياسية والعلاقات الاقتصادية المتبادلة.

وفي هذا السياق فإنه من المفترض تطوير العلاقات السياسية بين دول منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، على أمل أن يتحول مجلس التعاون مستقبلا إلى اتحاد كونفدرالي لدول الخليج العربية.