كلما اقتربنا من الساعات الأخيرة التي تفصلنا عن اختبار صناديق الاقتراع الإيرانية المقرر فتحها أمام الناخب الإيراني يوم الجمعة، ازدادت الصورة ضبابية حول اسم المرشح الفائز لإشغال دورة رئاسية جديدة للجمهورية الإسلامية الإيرانية.

Ad

لا أحد مهما كان مقربا من مطبخ صناعة الرؤساء في إيران أو أيا كانت قدرته على التحليل والمحاسبة أن يجزم من هو الفائز يوم الثاني عشر من حزيران/يونيو في سباق ماراثون الرئاسة المضني في إيران.

إنها المعركة الأقسى في تاريخ الثورة الإسلامية الإيرانية، والتي تكاد تشبه معركة الاستقلال الأولى في الحادي عشر من شباط/فبراير من العام 1979م، وهذا التعبير هو بالضبط مع ما تستخدمه موجات أحمدي نجاد الشعبية المحتجة ضد ما تسميه بـ«ظاهرة ترهل الرعيل الأول للثورة وضعف تصرفه» أو حتى وقوعه في شباك من تسميهم بعصابات الفساد والفقر والتمييز، مطالبة أحمدي نجاد بالانتفاضة على تلك الشريحة الطارئة والطفيلية من أجل أن تستعيد الثورة طهرها ونقاءها الأول والأمة العظيمة قرارها الثوري الشجاع.

بالمقابل فإن جل «النخب» الدينية المثقفة والرموز الإيرانية الوطنية والقومية وفي مقدمتهم بعض كبار رموز وأركان وتلامذة «الخمينية» التقليدية من إصلاحيين ومحافظين يكادون يجتمعون حول كلمة رجل واحد هو ميرحسين موسوي، لإيصاله إلى سدة الرئاسة درءا لما يسمونه بـ«الخطر الداهم» على العقل الجمعي الإيراني، وتاليا مطبخ صناعة القرار الإيراني كما يزعمون.

وهو في بعض وجوهه نوع من الاصطفاف بين «الشعبوية» مقابل «النخبوية»، لكنه أيضا نوع من الاصطفاف بين «الطهورية» مقابل الواقعية أو حتى البراغماتية، بل هو أيضا نوع من أنواع المعركة القاسية جدا بين الرغبة الجامحة في ضرورة تجديد حياة الثورة والنظام وجسم الدولة الذي قد أصبح بدوره أيضا مترهلا كذلك بسبب قساوة التجربة وقوة التحديات الخارجية، وبين الرغبة الجامحة أيضا في إبراز عقلانية وحيوية واقتدار دورة المجتمع الإيراني المدني والحضاري العريق الذي يصفه العارفون بتضاريسه الشديدة التعقيد والتشعب بأنه الأقدر في المنطقة على استيعاب المستجدات... إنها الديمقراطية على الطريقة الإيرانية إذن.

فلا تمر ساعة من ساعات الليل أو النهار إلا وتشهد فيها الشوارع الإيرانية في جهات البلاد الأربع «معارك» شبابية و«بناتية» بين الفريقين الرئيسين: فريق من بات يعرف بالموجة الخضراء، وفريق من بات يعرف بنصير الجياع والفقراء.

وطبقا لملاحظات المراقبين والحياديين فإن المرشحين الآخرين أي الشيخ مهدي كروبي والجنرال محسن رضائي إنما يتم توظيفهما في إطار حملة التجييش الشعبي النخبوية الهادفة إلى الدفع بنتائج الانتخابات إلى دورة تكميلية ثانية أي ألا يفوز أحمدي نجاد بأكثرية الآراء في المرحلة الأولى.

جمع غريب هو ذلك التجمع اليوم في إطار الموجة الخضراء، والذي يستهدف أكثر ما يستهدف منع إعادة انتخاب أحمدي نجاد بأي ثمن كان كما يصرح قادته علنا.

إنه جمع من المتناقضين يضم في نسيجه الملون جماعة المتدثرين بعباءة الرئيس محمد خاتمي سابقا وآخرين من جماعة المتدثرين بعباءة الرئيس رفسنجاني سابقا، وآخرين ممن كانوا من طلائع الناقمين على الرجلين سابقا، وآخرين من جماعة الثوريين الأنقياء الناقدين لتجربة الرجلين الآنفي الذكر، وآخرين ممن كانوا أصلا من المنادين بمقاطعة الانتخابات أصلا والانسحاب مما يسمونه بجسم النظام في إطار مقولة البروسترويكا، وآخرين من غلاة القوميين المتعصبين للقومية الإيرانية على حساب الانتماء للثورة الإسلامية، ولسان حالهم جميعا: منع إعادة انتخاب أحمدي نجاد.

بالمقابل فإن أنصار نجاد هم رجال ونساء وشبان وفتيات لا يجمع بينهم إلا صورة خام ونقية لثورة يعتقدون أن نجاد كفيل بتجديد حياتها من خلال تجديد دمائها، خصوصا بعد أن استطاع الرجل أن «يتسلل» إلى المنطقة الممنوعة من مطبخ صناعة القرار رغم معارضة وإجماع النخب والأحزاب وأرباب مراكز القوى التقليدية من محافظين وإصلاحيين كما يقولون، وكما صرح أحمدي نجاد في أكثر من مناظرة تلفزيونية وخطاب جماهيري هنا أو هناك.

ما يدهشك في هذه الاصطفافات القاسية التي تظهر على شاشة التلفزيون الرسمي بكل قساوتها، وكذلك على صفحات المواقع الإلكترونية وفي الشوارع العامة هو أنها تجري جميعا بكامل ثقلها العصبوي والتصادمي دون إراقة دم واحدة، وكذلك دون تدخل قوى القمع الاستبدادية المعروفة عادة في مثل هذه الحالات، والتي عادة ما تعرف بالشرطة السرية.

إنه لأمر مدهش حقا أن تسمع كلاما قاسيا وأقرب ما يكون إلى الإدانة القاطعة والجازمة، التي تكاد تخرج المتنافسين الأربعة وحماتهم من دائرة الوفاء لقيم ومبادئ الثورة والنظام المنضوين تحت لوائه جميعا، ومع ذلك تراهم يتقبلون بعضهم بعضا بكل روح رياضية وحيوية تنافسية لا نظير لها إلا في إيران.

لا يمكنك وأنت تتابع ما يجري على الأرض هنا إلا أن تستغرب كيف نبتت هذه الشجرة الديمقراطية وسط عالم مليء بالدكتاتوريات والقمع والدم والاحتلال، وفي أحسن الأحوال عالم أحادي لا يسمح إلا بالرأي الواحد الذي عادة ما يكون هو الرأي الحاكم، والذي لابد أن تكون له الغلبة طوعا أو كرها.

إنه كتاب إيران المفتوح على كل الاحتمالات، إيران التي كل يوم هي في شأن، والتي تمرنت طوال العقود الثلاثة الماضية كيف تجدد جلدها وتضخ الدماء الجديدة في جسمها وتبدل مياه جداولها، ذلك أن مياه البحيرة الراكدة تعفن وتفسد، في حين أن التبديل والتغيير هو الضمانة لتنقية المياه وإبقائها جارية تسقي الأبدان والأرواح.

وتبقى الأنفاس محبوسة والأنظار مشدودة في كل دوائر المجتمع الإيراني باختلاف طبقاته وأطيافه إلى يوم الثاني عشر من حزيران/يونيو حيث سيتم فك لغز جديد من ألغاز كتاب إيران المفتوح.

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء