للقائد الناجح خصال كثيرة، لكن أهمها من وجهة نظري هي هذه الخصلة العظيمة النادرة المتمثلة في الشجاعة والقدرة على اتخاذ القرارات غير الشعبية، والقيام بما هو مخالف لما ساد بين الناس، فالقدرة على اتخاذ القرارات الصعبة، والسباحة بها عكس التيار هما ما يفرق بين ما يسمى بالرئيس وما يطلق عليه اسم القائد.

Ad

يعد الرئيس الأميركي إبراهام لنكولن (1809-1865)، اليوم، وبحسب دراسات المؤرخين والعلماء واحدا من أعظم رؤساء أميركا، بل القادة في التاريخ الحديث، إلا أن هذا الرئيس الفذ، كان قد واجه في الحقيقة خلال فترة حكمه وإدارته لمنصبه معارضة شديدة، ومواجهات عنيفة من خصومه، ولهذا كان في ذلك الوقت حين كان في منصبه من أقل الرؤساء الأميركيين شعبية، فلطالما كانت وجهات نظر ومواقف لنكولن مختلفة عمن جايلوه من الساسة، وقد بدأ الأمر يوماً عندما كان مجرد عضو في الكونغرس، حيث اشتهر آنذاك بموقفه المعارض للرئيس الأميركي جيمس بولك، إزاء الحرب في المكسيك، حيث كان لنكولن يرى أن تلك الحرب خاطئة من الأصل لأنها لم تقم على أسس عادلة.

وقد تعرض لنكولن للهزيمة الانتخابية لمرات عديدة في مناصب مختلفة، منها مرتان لعضوية مجلس الشيوخ، قبل أن يتم انتخابه في منصب الرئيس السادس عشر للولايات المتحدة في عام 1860، بفارق ضئيل جدا عن منافسه الديمقراطي. واستمرت حملات السخرية، بل الهجوم على مواقفه ومعارضتها من خلال الصحافة بعد توليه منصب الرئيس، إلى درجة أن أحد رؤساء تحرير واحدة من أبرز الصحف في ذلك الوقت كتب مؤلبا المقربين من لنكولن ضده، متمنيا أن يتخلص منه أحدهم كما تخلص بروتوس من قيصر بطعنة خنجر!

لكن، وبالرغم من كل هذا، ولأن لنكولن امتلك الجرأة والشجاعة لاتخاذ تلك القرارات التي توافقت مع ضميره وإيمانه ورؤاه، بالرغم من أنها كانت على حساب شعبيته، وعلاقاته بأصدقائه الذين خسر منهم الكثير، أصبح اليوم نجما في سجل التاريخ الذي خلده على أنه «الرئيس الذي أنقذ الأمة الأميركية» و«القائد المحرر للعبيد»، ولكم أن تتخيلوا كيف كان سيكون شكل الولايات المتحدة الأميركية اليوم، لو لم يخرج فيها لنكولن، ذلك القائد السيئ الصيت والضعيف الشعبية في عصره!

نعم للقائد الناجح خصال كثيرة، لكن أهمها من وجهة نظري هي هذه الخصلة العظيمة النادرة المتمثلة في الشجاعة والقدرة على اتخاذ القرارات غير الشعبية، والقيام بما هو مخالف لما ساد بين الناس، فهذه القدرة على اتخاذ القرارات الصعبة، والسباحة بها عكس التيار الذي قد يبدو أنه تيار الأغلبية، لا الاكتفاء بمجرد التفكير والتلويح بها من بعيد، هما ما يفرق بين ما يسمى بالرئيس وما يطلق عليه اسم القائد، وهو ما يجعل من ذكرى شخص ما غبارا في مهب الريح، وذكرى شخص آخر كنقش على حجر.

لذا، وحتى نعرف وندرك، فلنتصفح السجلات، ولنقرأ ولنستمع لما قال، ولنتذكر ما فعل وما سيقول وسيفعل القادة، وسنعرف حينها حقيقة ما كان ومآل ما سيكون!

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة